فصل: بَابُ الْإِحْرَامِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.بَابُ الْإِحْرَامِ:

(وَإِذَا أَرَادَ الْإِحْرَامَ اغْتَسَلَ أَوْ تَوَضَّأَ وَالْغُسْلُ أَفْضَلُ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اغْتَسَلَ لِإِحْرَامِهِ إلَّا أَنَّهُ لِلتَّنْظِيفِ حَتَّى تُؤْمَرَ بِهِ الْحَائِضُ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فَرْضًا عَنْهَا، فَيَقُومُ الْوُضُوءُ مَقَامَهُ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ، لَكِنَّ الْغُسْلَ أَفْضَلُ، لِأَنَّ مَعْنَى النَّظَافَةِ فِيهِ أَتَمُّ، وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اخْتَارَهُ.
قَالَ: (وَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ جَدِيدَيْنِ أَوْ غَسِيلَيْنِ إزَارًا وَرِدَاءً) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ائْتَزَرَ وَارْتَدَى عِنْدَ إحْرَامِهِ وَلِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ، وَلَا بُدَّ مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَذَلِكَ فِيمَا عَيَّنَاهُ، وَالْجَدِيدُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الطَّهَارَةِ.
قَالَ: (وَمَسَّ طِيبًا إنْ كَانَ لَهُ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ يُكْرَهُ إذَا تَطَيَّبَ بِمَا تَبْقَى عَيْنُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّهُ مُنْتَفِعٌ بِالطِّيبِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ»، وَالْمَمْنُوعُ عَنْهُ التَّطَيُّبُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَالْبَاقِي كَالتَّابِعِ لَهُ لِاتِّصَالِهِ بِهِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ مُبَايَنٌ عَنْهُ.
قَالَ: (وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ إحْرَامِهِ، قَالَ: وَقَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي» لِأَنَّ أَدَاءَهُ فِي أَزْمِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَأَمَاكِنَ مُتَبَايِنَةٍ، فَلَا يَعْرَى عَنْ الْمَشَقَّةِ عَادَةً فَيَسْأَلُ التَّيْسِيرَ، وَفِي الصَّلَاةِ لَمْ يَذْكُرْ مِثْلَ هَذَا الدُّعَاءِ لِأَنَّ مُدَّتَهَا يَسِيرَةٌ وَأَدَاؤُهَا عَادَةً مُتَيَسِّرٌ.
قَالَ: (ثُمَّ يُلَبِّي عَقِيبَ صَلَاتِهِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَبَّى فِي دُبُرِ صَلَاتِهِ»، وَإِنْ لَبَّى بَعْدَ مَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ جَازَ، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ لِمَا رَوَيْنَا.
الشرح:
بَابُ الْإِحْرَامِ:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اغْتَسَلَ لِإِحْرَامِهِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْقُوبَ الْمَدَنِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ وَاغْتَسَلَ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ مِسْكِينٍ أَبِي غَزِيَّةَ الْمَدِينِيِّ الْقَاضِي حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ بِهِ، وَلَفْظُهُمَا: اغْتَسَلَ لِإِحْرَامِهِ، وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ بِسَنَدِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَأَعَلَّهُ بِأَبِي غَزِيَّةَ، قَالَ: عِنْدَهُ مَنَاكِيرُ، وَلَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ إلَّا مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا ضَعْفٌ، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَإِنَّمَا حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَمْ يُصَحِّحْهُ لِلِاخْتِلَافِ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، وَالرَّاوِي عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَعْقُوبَ الْمَدَنِيُّ، أَجْهَدْت نَفْسِي فِي مَعْرِفَتِهِ فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا ذَكَرَهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ السِّمْسَارُ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرَوِيْهِ الْهَرَوِيُّ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْحَنَفِيُّ ثَنَا خَالِدُ بْنُ إلْيَاسَ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ إذَا خَرَجَ إلَى مَكَّةَ اغْتَسَلَ حِينَ يُرِيدُ أَنْ يُحْرِمَ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «اغْتَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لَبِسَ ثِيَابَهُ، فَلَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ، فَلَمَّا اسْتَوَى بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ عَطَاءٍ مِمَّنْ جَمَعَ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ حَدِيثَهُ. انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: «نَفِسَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِالشَّجَرَةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ»، انْتَهَى.
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ أَيْضًا فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ فِي حَدِيثِ «أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ حِينَ نَفِسَتْ بِذِي الْحُلَيْفَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَغْتَسِلَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اتَّزَرَ، وَارْتَدَى عِنْدَ إحْرَامِهِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «انْطَلَقَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ الْمَدِينَةِ بَعْدَ مَا تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إزَارَهُ وَرِدَاءَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْأَرْدِيَةِ وَالْأُزُرِ تُلْبَسُ، إلَّا الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدَعُ عَلَى الْجِلْدِ، فَأَصْبَحَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، رَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى اسْتَوَى عَلَى الْبَيْدَاءِ، أَهَلَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَقَلَّدَ بَدَنَتَهُ، وَذَلِكَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ، وَقَدِمَ مَكَّةَ لِأَرْبَعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ».
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ «كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِم»، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ»، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الْمِسْكِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُلَبِّي»، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ يَتَطَيَّبُ بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ، ثُمَّ أَرَى وَبِيصَ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، قَالَ: «سَأَلْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ يَتَطَيَّبُ، ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا، فَقَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ أُصْبِحَ مُحْرِمًا أَنْضَحُ طِيبًا، لَأَنْ أَطَّلِيَ بِقَطِرَانٍ أَحَبُّ إلَيَّ مَنْ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ، فَدَخَلْت عَلَى عَائِشَةَ، وَأَخْبَرْتهَا بِقَوْلِهِ، فَقَالَتْ: أَنَا طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَطَافَ فِي نِسَائِهِ، ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا»، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: قَالَتْ: «كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ، ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا، يَنْضَحُ طِيبًا»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ حَدَّثَتْهَا.
قَالَتْ: «كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَكَّةَ، فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالْمِسْكِ الْمُطَيَّبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، فَإِذَا عَرِقَتْ إحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا، فَيَرَاهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَا يَنْهَانَا»، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ:
أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: «أَتَى النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَجُلٌ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي جُبَّةٍ بَعْدَ مَا تَضَمَّخَ بِطِيبٍ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِك فَاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا، ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِك مَا تَصْنَعُ فِي حَجِّك»، زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي لَفْظٍ مُعَلَّقٍ: وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْت لِعَطَاءٍ: أَرَادَ الْإِنْقَاءَ حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يَغْسِلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؟ قَالَ: نَعَمْ وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: «وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِالْخَلُوقِ، فَقَالَ لَهُ: اغْسِلْ عَنْك أَثَرَ الْخَلُوقِ»، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: «وَهُوَ مُصَفِّرٌ لِحْيَتَهُ وَرَأْسَهُ، فَقَالَ لَهُ: اغْسِلْ عَنْك الصُّفْرَةَ»، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: «اغْسِلْ عَنْك أَثَرَ الْخَلُوقِ، وَأَثَرَ الصُّفْرَةِ».
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بَعْدَ ذِكْرِهِ حَدِيثَ أَبِي دَاوُد الْمُتَقَدِّمَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَطَيَّبَ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِطِيبٍ يَبْقَى أَثَرُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَلَا يَضُرُّهُ بَقَاؤُهُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَاسْتَدَلَّ مَنْ مَنَعَهُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «اغْسِلْ عَنْك أَثَرَ الْخَلُوقِ»، وَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ زَعْفَرَانٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ، وَهُوَ مُصَفِّرٌ لِحْيَتَهُ وَرَأْسَهُ، وَقَدْ نَهَى الرَّجُلَ عَنْ التَّزَعْفُرِ، وَقِيلَ: إنَّهُ مِنْ خَوَاصِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ رُئِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ مُحْرِمًا وَعَلَى رَأْسِهِ مِثْلُ الرُّبِّ مِنْ الْغَالِيَةِ، وَقَالَ مُسْلِمُ بْنُ صُبَيْحٍ: رَأَيْت ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَفِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ مِنْ الطِّيبِ مَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ أَعَدَّ مِنْهُ رَأْسَ مَالٍ، انْتَهَى.
قُلْت: رِوَايَةُ الزَّعْفَرَانِ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ رَوَى حَدِيثَ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، وَقَالَ فِيهِ: «ثُمَّ دَعَاهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ لَهُ: اخْلَعْ عَنْك هَذِهِ الْجُبَّةَ، وَاغْسِلْ عَنْك هَذَا الزَّعْفَرَانَ، ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِك كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّك»، الْحَدِيثَ.
حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ التَّزَعْفُرِ:
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي اللِّبَاسِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ التَّزَعْفُرِ» انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: «نَهَى أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ»، وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ حَدِيثٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُطَرِّفٍ ثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ ثَنَا ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ «كَانَ يَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، وَيُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ»، انْتَهَى.
وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ، وَقَالَ: عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ ثِقَةٌ، وَعَبْدُ الرَّحِيمِ أَبُو سُفْيَانَ الرُّوَاسِيُّ أَيْضًا ثِقَةٌ. انْتَهَى.
وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ: وَاسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ: «كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ، ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا يَنْضَحُ طِيبًا»، عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الطِّيبِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: فَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ، مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ اغْتَسَلَ، ثُمَّ رَدَّهُ الْحَازِمِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ أَصَابَهُنَّ، وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَثِيرًا مَا يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ مِنْ غَيْرِ إصَابَةٍ، كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: «قَلَّ يَوْمٌ إلَّا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ عَلَيْنَا، فَيُقَبِّلُ وَيَلْمِسُ دُونَ الْوِقَاعِ، فَإِذَا جَاءَ إلَى الَّتِي هِيَ يَوْمُهَا يَبِيتُ عِنْدَهَا».
قَالَ: وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ اغْتَسَلَ، فَحَدِيثُ عَائِشَةَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِهِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ عَيْنِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، أَوْ يَقُولُ: إنَّهَا طَيَّبَتْهُ مَرَّةً ثَانِيَةً بَعْدَ الْغُسْلِ، لِأَنَّ وَبِيصَ الشَّيْءِ بَرِيقُهُ وَلَمَعَانُهُ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَمْرُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْأَعْرَابِيَّ بِغَسْلِ الطِّيبِ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي عَامِ الْجِعْرَانَةِ، وَهُوَ سَنَةُ ثَمَانٍ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ: «أَنَّهَا طَيَّبَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ» هُوَ نَاسِخُهُ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَهِيَ سَنَةُ عَشْرٍ، قَالَ الْحَازِمِيُّ: وَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ وَجَدَ رِيحَ طِيبٍ مِنْ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: ارْجِعْ فَاغْسِلْهُ، فَإِنَّ عُمَرَ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ، وَلَوْ بَلَغَهُ لَرَجَعَ إلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يَبْلُغْهُ فَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَحَدِيثُ مُعَاوِيَةَ هَذَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَزَادَ: فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْحَاجُّ: الشَّعِثُ التَّفِلُ»، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رَوَى جَابِرٌ: «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ بِرَكْعَتَيْنِ عِنْدَ إحْرَامِهِ».
قُلْت: غَرِيبٌ عَنْ جَابِرٍ، وَاَلَّذِي فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ أَنَّهُ صَلَّى فِي مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا، وَلَكِنْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي بَابِ التَّلْبِيَةِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَعُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ إذَا اسْتَوَتْ بِهِ النَّاقَةُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَهَلَّ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ»، الْحَدِيثَ.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي بَابِ وَقْتِ الْإِحْرَامِ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ خَصِيفِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَزَرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجًّا، فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ أَوْجَبَ فِي مَجْلِسِهِ، فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ»، مُخْتَصَرٌ.
وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. انْتَهَى.
وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَخُصَيْفٌ فِيهِمَا مَقَالٌ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «اغْتَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لَبِسَ ثِيَابَهُ، فَلَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى الْبَيْدَاءِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ»، انْتَهَى.
وَيَعْقُوبُ بْنُ عَطَاءٍ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَهُ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَبَّى فِي دُبُرِ صَلَاتِهِ يَعْنِي رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ ثَنَا خَصِيفٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَهَلَّ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ» انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْإِمَامِ: وَعَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ أَخْرَجَ لَهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَخُصَيْفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَزَرِيُّ ضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ انْتَهَى قَوْلُهُ: وَلَوْ لَبَّى بَعْدَ مَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ جَازَ، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ لِمَا رَوَيْنَا.
قُلْت: يُشِيرُ إلَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَلَكِنَّ أَحَادِيثَ: أَنَّهُ لَبَّى بَعْدَ مَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ وَاضِحٌ، فَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً»، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا عَنْ سَالِمٍ عَنْهُ: قَالَ: «مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ يَعْنِي ذَا الْحُلَيْفَةِ»، مُخْتَصَرٌ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ وَانْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً أَهَلَّ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ»، مُخْتَصَرٌ.
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «صَلَّى النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ بَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ، فَلَمَّا رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَاسْتَوَتْ بِهِ أَهَلَّ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ «إهْلَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِيهِ: «ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ»، مُخْتَصَرٌ.
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مَا يَجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَحَدِيثُ: أَهَلَّ فِي دُبُرِ صَلَاتِهِ أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ خَصِيفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْت لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: عَجِبْت لِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إهْلَالِهِ حِينَ أَوْجَبَ، فَقَالَ: إنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ، إنَّهَا إنَّمَا كَانَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةً وَاحِدَةً، فَمِنْ هُنَاكَ اخْتَلَفُوا، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجًّا، فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْهِ أَوْجَبَ فِي مَجْلِسِهِ، فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ، فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ، فَحَفِظَتْهُ عَنْهُ، ثُمَّ رَكِبَ، فَلَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ أَهَلَّ، وَأَدْرَكَ هَذَا أَقْوَامٌ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ إنَّمَا كَانُوا يَأْتُونَ أَرْسَالًا، فَسَمِعُوهُ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ يُهِلُّ، فَقَالُوا: إنَّمَا أَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ، ثُمَّ مَضَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا عَلَا شَرَفَ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ، وَأَدْرَكَ ذَلِكَ أَقْوَامٌ، فَقَالُوا: إنَّمَا أَهَلَّ حِينَ عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ، وَأَيْمُ اللَّهِ لَقَدْ أَوْجَبَ فِي مُصَلَّاهُ، وَأَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ، وَأَهَلَّ حِينَ عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ، فَمَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَهَلَّ فِي مُصَلَّاهُ إذَا فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَابْنُ إِسْحَاقَ فِيهِ مَقَالٌ، وَكَذَلِكَ خَصِيفٌ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: كَانَ فَقِيهًا صَالِحًا، إلَّا أَنَّهُ كَانَ يُخْطِئُ كَثِيرًا، وَالْإِنْصَافُ فِيهِ قَبُولُ مَا وَافَقَ فِيهِ الْأَثْبَاتَ، وَتَرْكُ مَا لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، وَأَنَا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِي إدْخَالِهِ فِي الثِّقَاتِ، وَكَذَلِكَ احْتَجَّ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا، وَتَرَكَهُ آخَرُونَ،انْتَهَى.
(وَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ يَنْوِي بِتَلْبِيَتِهِ الْحَجَّ) لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ (وَالتَّلْبِيَةُ أَنْ يَقُولَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك) وَقَوْلُهُ: إنَّ الْحَمْدَ بِكَسْرِ الْأَلِفِ لَا بِفَتْحِهَا لِيَكُونَ ابْتِدَاءً لَا بِنَاءً إذْ الْفَتْحَةُ صِفَةُ الْأُولَى، وَهُوَ إجَابَةٌ لِدُعَاءِ الْخَلِيلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْقِصَّةِ.
(وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخِلَّ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ) لِأَنَّهُ هُوَ الْمَنْقُولُ بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ فَلَا يَنْقُصُ عَنْهُ (وَلَوْ زَادَ فِيهَا جَازَ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ اعْتَبَرَهُ بِالْأَذَانِ وَالتَّشَهُّدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ ذِكْرٌ مَنْظُومٌ.
وَلَنَا أَنَّ أَجِلَّاءَ الصَّحَابَةِ كَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ زَادُوا عَلَى الْمَأْثُورِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الثَّنَاءُ وَإِظْهَارُ الْعُبُودِيَّةِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ.
قَالَ: (وَإِذَا لَبَّى فَقَدْ أَحْرَمَ) يَعْنِي إذَا نَوَى لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَتَأَدَّى إلَّا بِالنِّيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا لِتَقَدُّمِ الْإِشَارَةِ إلَيْهَا فِي قَوْلِهِ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ (وَلَا يَصِيرُ بِالتَّلْبِيَةِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ عَقَدَ عَلَى الْأَدَاءِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرٍ كَمَا فِي تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ وَيَصِيرُ شَارِعًا بِذِكْرٍ يَقْصِدُ بِهِ التَّعْظِيمَ سِوَى التَّلْبِيَةِ فَارِسِيَّةً كَانَتْ أَوْ عَرَبِيَّةً، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ عَلَى أَصْلِهِمَا أَنَّ بَابَ الْحَجِّ أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ حَتَّى يُقَامَ غَيْرُ الذِّكْرِ مَقَامَ الذِّكْرِ كَتَقْلِيدِ الْبُدْنِ، فَكَذَا غَيْرُ التَّلْبِيَةِ وَغَيْرُ الْعَرَبِيَّةِ.
الشرح:
قَوْلُهُ: وَهُوَ إجَابَةٌ لِدُعَاءِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْقِصَّةِ يَعْنِي فِي التَّلْبِيَةِ.
قُلْت: فِيهِ آثَارٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.
فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي فَضَائِلِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا بَنَى إبْرَاهِيمُ الْبَيْتَ أَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، قَالَ: فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: أَلَا إنَّ رَبَّكُمْ قَدْ اتَّخَذَ بَيْتًا، وَأَمَرَكُمْ أَنْ تَحُجُّوهُ، فَاسْتَجَابَ لَهُ مَا سَمِعَهُ مِنْ حَجَرٍ، أَوْ شَجَرٍ،أَوْ مَدَرٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، انْتَهَى.
وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
وَفِيهِ نَظَرٌ، نُقِلَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثُ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ضَعِيفٌ إلَّا مَا كَانَ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، إلَّا حَدِيثَيْنِ سَمِعَهُمَا شُعْبَةُ بِآخِرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ جَرِيرٍ عَنْ قَابُوسَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا فَرَغَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ قَالَ: رَبِّ قَدْ فَرَغْت، فَقَالَ: أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، قَالَ: رَبِّ وَمَا يُبَلِّغُ صَوْتِي؟ قَالَ: أَذِّنْ، وَعَلَيَّ الْبَلَاغُ، قَالَ: رَبِّ كَيْفَ أَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ، حَجُّ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، فَسَمِعَهُ مَنْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَلَا تَرَوْنَ أَنَّهُمْ يَجِيئُونَ مِنْ أَقْصَى الْأَرْضِ يُلَبُّونَ؟»، انْتَهَى.
وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَى إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَتَدْرِي كَيْفَ كَانَتْ التَّلْبِيَةُ؟ إنَّ إبْرَاهِيمَ أُمِرَ أَنْ يُؤَذِّنَ النَّاسَ بِالْحَجِّ، فَرُفِعَتْ لَهُ الْقُرَى، وَخَفَضَتْ الْجِبَالُ رُءُوسَهَا، فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ، فَأَجَابُوهُ، مُخْتَصَرٌ، وَفِيهِ قِصَّةٌ.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو الْوَلِيدِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْرَقِيُّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: لَمَّا أُمِرَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ قَامَ عَلَى الْمَقَامِ، فَارْتَفَعَ الْمَقَامُ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى مَا تَحْتَهُ، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ، فَأَجَابَهُ النَّاسُ، فَقَالُوا: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، انْتَهَى.
وَرُوِيَ أَيْضًا: حَدَّثَنِي جَدِّي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَامَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى هَذَا الْمَقَامِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ، فَقَالُوا: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، قَالَ: فَمَنْ حَجَّ الْيَوْمَ فَهُوَ مِمَّنْ أَجَابَ إبْرَاهِيمَ يَوْمَئِذٍ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخِلَّ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ، لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ، فَلَا يُنْقِصُ عَنْهُ.
قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَيْسَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّلْبِيَةِ مَنْقُولًا بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ، فَقَدْ رَوَى حَدِيثَ التَّلْبِيَةِ عَائِشَةُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَلَيْسَ فِيهِ: وَالْمُلْكَ لَك، لَا شَرِيكَ لَك.
فَحَدِيثُ عَائِشَةَ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «إنِّي لَأَعْلَمُ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك»، انْتَهَى.
وَوَهَمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ فِي عَزْوِهِ لِلشَّيْخَيْنِ، فَإِنَّ مُسْلِمًا لَمْ يُخَرِّجْ حَدِيثَ عَائِشَةَ أَصْلًا.
وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «كَانَتْ تَلْبِيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك»، انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَتْ تَلْبِيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ».
قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَزِيدُ فِيهَا: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْك لَبَّيْكَ، وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك وَالْعَمَلُ، انْتَهَى.
وَمَوْجُودَةٌ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَيْضًا، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، خَلَا الزِّيَادَةَ.
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ أَجِلَّاءَ الصَّحَابَةِ: كَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ زَادُوا عَلَى الْمَأْثُورِ يَعْنِي فِي التَّلْبِيَةِ.
قُلْت: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ، لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ.
إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك، وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك»
.
قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَزِيدُ فِي تَلْبِيَتِهِ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْك لَبَّيْكَ، وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك وَالْعَمَلُ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ أَيْضًا، وَلَفْظُهُ: عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُهِلُّ بِإِهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، وَيَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْك لَبَّيْكَ، وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك وَالْعَمَلُ، مُخْتَصَرٌ.
وَقَوْلُهُ: مِنْ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، يُرِيدُ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ، وَجَهِلَ مَنْ قَالَ: يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، لِأَنَّ مُسْلِمًا لَمْ يُخَرِّجْ حَدِيثَ عَائِشَةَ أَصْلًا، وَلَا خَرَّجَ فِي التَّلْبِيَةِ غَيْرَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا عَقِيبَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمِهْرَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: حَجَجْنَا فِي إمَارَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ طُولٌ، وَفِي آخِرِهِ: وَزَادَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي تَلْبِيَتِهِ، فَقَالَ: لَبَّيْكَ عَدَدَ التُّرَابِ، وَمَا سَمِعْته قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَا بَعْدَ، انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ غَرِيبٌ عَنْهُ، لَكِنَّهُ رَوَى زِيَادَةً مَرْفُوعَةً فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قَالَ: «كَانَ مِنْ تَلْبِيَةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَبَّيْكَ إلَهَ الْحَقِّ لَبَّيْكَ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّانِي عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ التَّلْبِيَةَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَزَادَ: قَالَ: وَالنَّاسُ يَزِيدُونَ: لَبَّيْكَ ذَا الْمَعَارِجِ، وَنَحْوَهُ مِنْ الْكَلَامِ، وَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَسْمَعُ، فَلَا يَقُولُ لَهُمْ شَيْئًا، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَعْفَرٍ بِهِ، بِدُونِ الزِّيَادَةِ، وَلَمْ يُنْصِفْ الْمُنْذِرِيُّ، إذْ قَالَ عَقِيبَهُ: وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ بِالزِّيَادَةِ، وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ يُقَلِّدُ أَصْحَابَ الْأَطْرَافِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ فِي تَرْجَمَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْت الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ يَزِيدُ فِي التَّلْبِيَةِ: لَبَّيْكَ ذَا النَّعْمَاءِ وَالْفَضْلِ الْحَسَنِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الشَّافِعِيُّ ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدٍ الْأَعْرَجُ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُظْهِرُ مِنْ التَّلْبِيَةِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك، وَالْمُلْكَ لَك، لَا شَرِيكَ لَك، قَالَ: حَتَّى إذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَالنَّاسُ يُصْرَفُونَ عَنْهُ، كَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ مَا هُوَ فِيهِ، فَزَادَ فِيهَا: لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ»، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَحَسِبْت أَنَّ ذَاكَ يَوْمُ عَرَفَةَ، انْتَهَى.
وَهُوَ مُرْسَلٌ مِنْ الْإِمَامِ.
قَالَ: (وَيَتَّقِي مَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنْ الرَّفَثِ وَالْفُسُوقِ وَالْجِدَالِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} فَهَذَا نَهْيٌ بِصِيغَةِ النَّفْيِ وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ أَوْ الْكَلَامُ الْفَاحِشُ أَوْ ذِكْرُ الْجِمَاعِ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ، وَالْفُسُوقُ: الْمَعَاصِي وَهُوَ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ أَشَدُّ حُرْمَةً، وَالْجِدَالُ أَنْ يُجَادِلَ رَفِيقَهُ، وَقِيلَ مُجَادَلَةُ الْمُشْرِكِينَ فِي تَقْدِيمِ وَقْتِ الْحَجِّ وَتَأْخِيرِهِ.
(وَلَا يَقْتُلُ صَيْدًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} (وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ) لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّهُ أَصَابَ حِمَارَ وَحْشٍ وَهُوَ حَلَالٌ، وَأَصْحَابُهُ مُحْرِمُونَ فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَصْحَابِهِ هَلْ أَشَرْتُمْ هَلْ دَلَلْتُمْ هَلْ أَعَنْتُمْ؟ فَقَالُوا لَا، فَقَالَ إذًا فَكُلُوا» وَلِأَنَّهُ إزَالَةُ الْأَمْنِ عَنْ الصَّيْدِ لِأَنَّهُ آمِنٌ بِتَوَحُّشِهِ وَبُعْدِهِ عَنْ الْأَعْيُنِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ «أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ أَصَابَ حِمَارَ وَحْشٍ وَهُوَ حَلَالٌ، وَأَصْحَابُهُ مُحْرِمُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَصْحَابِهِ: هَلْ أَشَرْتُمْ؟ هَلْ دَلَلْتُمْ؟ هَلْ أَعَنْتُمْ؟ فَقَالُوا: لَا، قَالَ: إذًا فَكُلُوا».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ: «أَنَّهُمْ كَانُوا فِي مَسِيرٍ لَهُمْ بَعْضُهُمْ مُحْرِمٌ، وَبَعْضُهُمْ لَيْسَ بِمُحْرِمٍ، قَالَ: فَرَأَيْت حِمَارَ وَحْشٍ، فَرَكِبْت فَرَسِي، وَأَخَذْت الرُّمْحَ فَاسْتَعَنْتهمْ، فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي، فَاخْتَلَسْت سَوْطًا مِنْ بَعْضِهِمْ، وَشَدَدْت عَلَى الْحِمَارِ، فَأَصَبْته، فَأَكَلُوا مِنْهُ، فَأَشْفَقُوا، قَالَ: فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَمِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا، أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ، وَالنَّسَائِيُّ: «هَلْ أَشَرْتُمْ، هَلْ أَعَنْتُمْ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَكُلُوا»، وَتُنْظَرُ بَقِيَّةُ الْأَرْبَعَةِ.
وَقَالَ: (وَلَا يَلْبَسُ قَمِيصًا وَلَا سَرَاوِيلَ وَلَا عِمَامَةً وَلَا خُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَيَقْطَعَهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ وَخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ الْكَعْبَيْنِ وَالْكَعْبُ هُنَا الْمَفْصِلُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ عِنْدَ مَقْعَدِ الشِّرَاكِ دُونَ النَّاتِئِ فِيمَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَهَى أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَعْنِي الْقَمِيصَ، وَالسَّرَاوِيلَ، وَالْعِمَامَةَ، وَالْقَلَنْسُوَةَ، وَالْخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ، فَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ.
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَأْمُرُنَا أَنْ نَلْبَسَ مِنْ الثِّيَابِ فِي الْإِحْرَامِ، قَالَ: لَا تَلْبَسُوا الْقَمِيصَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا الْبَرَانِسَ، وَلَا الْأَخْفَافَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ نَعْلَانِ، فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ، وَلَا وَرْسٌ»، انْتَهَى.
زَادُوا إلَّا مُسْلِمًا، وَابْنَ مَاجَهْ: «وَلَا تَنْتَقِبْ الْمَرْأَةُ الْحَرَامُ، وَلَا تَلْبَسْ الْقُفَّازَيْنِ».
قَالَ فِي الْإِمَامِ: قَالَ الْحَاكِمُ النَّيْسَابُورِيُّ: قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ: وَلَا تَنْتَقِبْ الْمَرْأَةُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَأُدْرِجَ فِي الْحَدِيثِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ، فَإِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى الِاخْتِلَافِ فِي رَفْعِهِ، وَوَقْفِهِ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ رَوَاهُ مَوْقُوفًا، وَهَذَا غَيْرُ قَادِحٍ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُفْتِيَ الرَّاوِي بِمَا يَرْوِيه، وَمَعَ ذَلِكَ فَهُنَا قَرِينَةٌ مُخَالِفَةٌ لِذَلِكَ دَالَّةٌ عَلَى عَكْسِهِ، وَهِيَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ وَرَدَ إفْرَادُ النَّهْيِ عَنْ النِّقَابِ مِنْ رِوَايَةِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، مُجَرَّدًا عَنْ الِاشْتِرَاكِ مَعَ غَيْرِهِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «الْمُحْرِمَةُ لَا تَنْتَقِبُ، وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» انْتَهَى.
الثَّانِي: أَنَّهُ جَاءَ النَّهْيُ عَنْ النِّقَابِ، وَالْقُفَّازَيْنِ مُبْدَأً بِهِمَا فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ، وَهَذَا أَيْضًا يَمْنَعُ الْإِدْرَاجَ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ: «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَهَى النِّسَاءَ فِي إحْرَامِهِنَّ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ، وَالنِّقَابِ، وَمِسَاسِ الْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ مِنْ الثِّيَابِ، وَتَلْبَسُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحَبَّتْ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ مُعَصْفَرًا، أَوْ خَزًّا، أَوْ سَرَاوِيلَ، أَوْ حُلِيًّا، أَوْ قَمِيصًا».
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحَيْنِ مَا خَلَا ابْنَ إِسْحَاقَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
وَسَنَدُهُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثَنَا يَعْقُوبُ ثَنَا أَبِي عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ، إلَى آخِرِهِ.
قَالَ: (وَلَا يُغَطِّي وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ لِلرَّجُلِ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا»، وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهَا».
قَالَهُ فِي مُحْرِمٍ تُوُفِّيَ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُغَطِّي وَجْهَهَا مَعَ أَنَّ الْكَشْفَ فِتْنَةٌ فَالرَّجُلُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى وَفَائِدَةُ مَا رُوِيَ الْفَرْقُ فِي تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ، وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَيُنْظَرُ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ، وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا»، انْتَهَى.
وَالْمُصَنِّفُ احْتَجَّ بِهِ هُنَا لِلشَّافِعِيِّ، أَنَّ الْمُحْرِمَ لَهُ أَنْ يُغَطِّيَ وَجْهَهُ، وَأَعَادَهُ قُبَيْلَ الْقِرَانِ، أَنَّ الْمَرْأَةَ تُغَطِّي رَأْسَهَا.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمُحْرِمِ: «يَمُوتُ، قَالَ: خَمِّرُوهُمْ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ»، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَعِلَّتُهُ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، كَانَ كَثِيرَ الْغَلَطِ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ ضَعِيفٌ، قَالَ: لَكِنَّهُ جَاءَ بِأَعَمَّ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ، وَأَصَحَّ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَالِحٍ الْأَزْدِيِّ ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَمِّرُوا وُجُوهَ مَوْتَاكُمْ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ»، انْتَهَى.
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَزْدِيُّ صَدُوقٌ، قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَبَقِيَّةُ الْإِسْنَادِ لَا يُسْأَلُ عَنْهُ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَاسْتَدَلَّ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ لِأَحْمَدَ، وَالشَّافِعِيِّ بِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ بْنِ حُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الَّذِي وُقِصَ: خَمِّرُوا وَجْهَهُ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ»، قَالَ: وَإِبْرَاهِيمُ هَذَا وَثَّقَهُ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُخَمِّرُ وَجْهَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ»، انْتَهَى.
قَالَ: وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ، وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْفُرَافِصَةُ بْنُ عُمَيْرٍ الْحَنَفِيُّ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِالْعَرْجِ يُغَطِّي وَجْهَهُ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْعَرْجِ مُخَمِّرًا وَجْهَهُ بِقَطِيفَةِ أُرْجُوَانٍ فِي ثَوْبٍ صَائِفٍ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: «قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مُحْرِمٍ تُوُفِّيَ: لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا».
قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا أَوْقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تَمَسُّوهُ طِيبًا، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، وَلَا وَجْهَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَاقُونَ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ: الْوَجْهَ، قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ فِي كِتَابِ عُلُومِ الْحَدِيثِ: وَذِكْرُ الْوَجْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَصْحِيفٌ مِنْ الرُّوَاةِ، لِإِجْمَاعِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ مِنْ أَصْحَابِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَلَى رِوَايَتِهِ: وَلَا تُغَطُّوا رَأْسَهُ، وَهُوَ الْمَحْفُوظُ. انْتَهَى.
وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى مُسْلِمٍ لَا إلَى الْحَاكِمِ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ كَثِيرُ الْأَوْهَامِ، وَأَيْضًا فَالتَّصْحِيفُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْحُرُوفِ الْمُتَشَابِهَةِ، وَأَيُّ مُشَابَهَةٍ بَيْنَ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ فِي الْحُرُوفِ؟ هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَذْكُرَ فِي الْحَدِيثِ غَيْرَ الْوَجْهِ، فَكَيْفَ وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا أَعْنِي الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ وَالرِّوَايَتَانِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، فَفِي لَفْظٍ: اقْتَصَرَ عَلَى الْوَجْهِ، فَقَالَ: وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ، وَفِي لَفْظٍ: جَمَعَ بَيْنَ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ، فَقَالَ: وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ، وَفِي لَفْظٍ: اقْتَصَرَ عَلَى الرَّأْسِ، وَفِي لَفْظٍ: قَالَ: فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُغَسِّلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَأَنْ يَكْشِفُوا وَجْهَهُ، حَسِبْته قَالَ: وَرَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ، وَهُوَ يُهِلُّ، انْتَهَى.
وَمِثْلُ هَذَا بَعِيدٌ مِنْ التَّصْحِيفِ.
قَالَ: (وَلَا يَمَسُّ طِيبًا) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الْحَاجُّ الشَّعِثُ التَّفِلُ» (وَكَذَا لَا يَدَّهِنُ) لِمَا رَوَيْنَا (وَلَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ وَلَا شَعْرَ بَدَنِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} الْآيَةَ (وَلَا يَقُصُّ مِنْ لِحْيَتِهِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْحَلْقِ، وَلِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الشَّعَثِ وَقَضَاءَ التَّفَثِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الْحَاجُّ الشَّعِثُ التَّفِلُ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «قَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ الْحَاجُّ؟ قَالَ: الشَّعِثُ التَّفِلُ»، وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ، وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ: «أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ»، قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ: (وَلَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِوَرْسٍ وَلَا زَعْفَرَانٍ وَلَا عُصْفُرٍ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا وَرْسٌ».
قَالَ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ غَسِيلًا لَا يُنَفَّضُ) لِأَنَّ الْمَنْعَ لِلطِّيبِ لَا لِلَّوْنِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْمُعَصْفَرِ لِأَنَّهُ لَوْنٌ لَا طِيبَ لَهُ، وَلَنَا أَنَّ لَهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا يَلْبَسْ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ، وَلَا وَرْسٌ».
قُلْت: تَقَدَّمَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِعِ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «لَا تَلْبَسْ الْقَمِيصَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا الْبَرَانِسَ، وَلَا الْخِفَافَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ نَعْلَانِ، فَيَلْبَسُ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ، وَلَا وَرْسٌ».
وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ الْآثَارِ حَدَّثَنَا فَهْدٌ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ الْأَزْدِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَلْبَسُوا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ غَسِيلًا» يَعْنِي فِي الْإِحْرَامِ، قَالَ ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ: وَرَأَيْت يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ، وَهُوَ يَتَعَجَّبُ مِنْ الْحِمَّانِيُّ أَنْ يُحَدِّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: هَذَا عِنْدِي، ثُمَّ وَثَبَ مِنْ فَوْرِهِ فَجَاءَ بِأَصْلِهِ، فَخَرَّجَ مِنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، كَمَا ذَكَرَهُ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، فَكَتَبَهُ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ: وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَطَاوُسٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالُوا فِي الثَّوْبِ يَكُونُ فِيهِ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ فَغُسِلَ: إنَّهُ لَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا أَنْ يُحْرِمَ فِيهِ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَطَاءٍ نَحْوَهُ، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى أَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «انْطَلَقَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ مَا تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إزَارَهُ وَرِدَاءَهُ، هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْأَرْدِيَةِ وَالْأُزُرِ يُلْبَسُ، إلَّا الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدَعُ عَلَى الْجِلْدِ»، الْحَدِيثَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الرَّدْعِ، وَهُوَ الْبَلُّ، قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الرَّدْعُ: مَا يَبُلُّ الْقَدَمَ مِنْ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَحِينَئِذٍ يَخْرُجُ الْغَسْلُ مِنْ ذَلِكَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْبَزَّارُ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «لَا بَأْسَ أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ مَصْبُوغٍ بِزَعْفَرَانٍ قَدْ غُسِلَ، فَلَيْسَ لَهُ نَفْضٌ، وَلَا رَدْعٌ» انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ- فِي الْمُعَصْفَر- رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثَنَا يَعْقُوبُ ثَنَا أَبِي عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ نَهَى النِّسَاءَ فِي إحْرَامِهِنَّ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ، وَمَا مَسَّ الْوَرْسُ، وَالزَّعْفَرَانُ مِنْ الثِّيَابِ، وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَتْ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ، مُعَصْفَرًا، أَوْ خَزًّا، أَوْ حُلِيًّا، أَوْ سَرَاوِيلَ، أَوْ قَمِيصًا، أَوْ خُفًّا»، انْتَهَى.
قَالَ أَبُو دَاوُد: وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، إلَى قَوْلِهِ: وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ، لَمْ يَذْكُرَا مَا بَعْدَهُ، انْتَهَى.
وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ كَذَلِكَ بِحَدِيثِ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «انْطَلَقَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ الْمَدِينَةِ بَعْدَ مَا تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إزَارَهُ وَرِدَاءَهُ، هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْأَرْدِيَةِ وَالْأُزُرِ، فَلَبِسَ الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدَعُ عَلَى الْجِلْدِ»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهَا كَانَتْ تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَاتِ، وَهِيَ مُحْرِمَةٌ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْأَصْحَابِ: مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَا هَذَا الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ يَا طَلْحَةُ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّمَا هُوَ مَدَدٌ، فَقَالَ عُمَرُ: إنَّكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ أَئِمَّةٌ يَقْتَدِي النَّاسُ بِكُمْ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَاهِلًا رَأَى هَذَا الثَّوْبَ لَقَالَ: إنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ كَانَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُصَبَّغَةَ فِي الْإِحْرَامِ، فَلَا تَلْبَسُوا أَيُّهَا الرَّهْطُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ» انْتَهَى.
قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَغْتَسِلَ وَيَدْخُلَ الْحَمَّامَ) لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اغْتَسَلَ وَهُوَ مُحْرِمٌ (و) وَلَا بَأْسَ بِأَنْ (يَسْتَظِلَّ بِالْبَيْتِ وَالْمَحْمِلِ).
وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَظِلَّ بِالْفُسْطَاطِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ.
وَلَنَا أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُضْرَبُ لَهُ فُسْطَاطٌ فِي إحْرَامِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يَمَسُّ بَدَنَهُ فَأَشْبَهَ الْبَيْتَ (وَلَوْ دَخَلَ تَحْتَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ حَتَّى غَطَّتْهُ إنْ كَانَ لَا يُصِيبُ رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ) لِأَنَّهُ اسْتِظْلَالٌ (وَ) لَا بَأْسَ بِأَنْ (يَشُدَّ فِي وَسَطِهِ الْهِمْيَانَ).
وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُكْرَهُ إذَا كَانَ فِيهِ نَفَقَةُ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ.
وَلَنَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى لُبْسِ الْمَخِيطِ فَاسْتَوَتْ فِيهِ الْحَالَتَانِ (وَلَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَلَا لِحْيَتَهُ بِالْخِطْمِيِّ) لِأَنَّهُ نَوْعُ طِيبٍ وَلِأَنَّهُ يَقْتُلُ هَوَامَّ الرَّأْسِ.
الشرح:
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ اغْتَسَلَ وَهُوَ مُحْرِمٌ.
قُلْت: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِيَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، وَهُوَ يَصْبُبُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَاءً: اُصْبُبْ عَلَى رَأْسِي، فَقَالَ يَعْلَى: أَتُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَهَا بِي، إنْ أَمَرْتنِي صَبَبْت، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اُصْبُبْ عَلَيَّ، فَلَنْ يَزِيدَهُ الْمَاءُ إلَّا شَعَثًا، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى أَخْبَرَهُ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَغْتَسِلُ إلَى بَعِيرٍ، وَأَنَا أَسْتُرُ عَلَيْهِ بِثَوْبٍ، إذْ قَالَ عُمَرُ: يَا يَعْلَى اُصْبُبْ عَلَى رَأْسِي؟ فَقُلْت: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاَللَّهِ مَا يَزِيدُ الْمَاءُ الشَّعْرَ إلَّا شَعَثًا، فَسَمَّى اللَّهَ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ. انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَالشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ: تَعَالَ أُنَافِسْك فِي الْمَاءِ، أَيُّنَا أَطْوَلُ نَفَسًا فِيهِ، وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ اخْتَلَفَا بِالْأَبْوَاءِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ، وَقَالَ الْمِسْوَرُ: لَا يَغْسِلُ، فَأَرْسَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، إلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ فَوَجَدَهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ، وَهُوَ مُسْتَتِرٌ بِثَوْبٍ، قَالَ: فَسَلَّمْت عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْت: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ أَرْسَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَسْأَلُك كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ قَالَ: فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ، فَطَأْطَأَهُ حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ، ثُمَّ قَالَ لِإِنْسَانٍ يَصْبُبُ عَلَيْهِ: اُصْبُبْ، فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ حَرَّكَ أَبُو أَيُّوبَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ نَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَفِيهِ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ أَنْ يُغْسَلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَأَنْ لَا يُقَرَّبَ طِيبًا» انْتَهَى.
الْآثَارُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ دَخَلَ حَمَّامَ الْجُحْفَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِأَوْسَاخِنَا شَيْئًا، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ بِهِ، قَالَ: الْمُحْرِمُ يَشُمُّ الرَّيْحَانَ، وَيَدْخُلُ الْحَمَّامَ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَأَسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، انْتَهَى.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَغْتَسِلَ الْمُحْرِمُ، وَيَغْسِلَ ثِيَابَهُ، انْتَهَى.
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، نَحْوَهُ.
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يُضْرَبُ لَهُ فُسْطَاطٌ فِي إحْرَامِهِ.
قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا الصَّلْتُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ صَهْبَانَ، قَالَ: رَأَيْت عُثْمَانَ بِالْأَبْطَحِ، وَأَنَّ فُسْطَاطَه مَضْرُوبٌ، وَسَيْفَهُ مُعَلَّقٌ بِالشَّجَرَةِ، انْتَهَى.
ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْمُحْرِمِ يَحْمِلُ السِّلَاحَ، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْأَثَرِ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَظِلَّ بِالْبَيْتِ، وَالْفُسْطَاطِ، وَالْمَحْمِلِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَوَافَقَ هُنَا الشَّافِعِيَّ فِي ذَلِكَ، وَمَنَعَهُ أَحْمَدُ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ، وَاسْتَدَلَّ لِمَذْهَبِنَا بِحَدِيثِ أُمِّ الْحُصَيْنِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَالَتْ: «حَجَجْت مَعَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْت أُسَامَةَ، وَبِلَالًا، وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنْ الْحَرِّ، حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا كَثِيرًا، ثُمَّ سَمِعْته يَقُولُ: إنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ، حَسِبْتهَا قَالَتْ: أَسْوَدُ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ: رَافِعٌ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ الشَّمْسِ، الْحَدِيثَ، ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ: فَقَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا رَفَعَ الثَّوْبَ مِنْ نَاحِيَةِ الشَّمْسِ، لَا أَنَّهُ رَفَعَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَظَلَّلَهُ بِهِ، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ، فَإِنَّ التَّظْلِيلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَالشَّمْسُ فِي الصَّيْفِ عَلَى الرُّءُوسِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ التَّظْلِيلُ عَلَى رَأْسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَأَنَّهُ ذَهَلَ عَنْ لَفْظِ مُسْلِمٍ، وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُظِلُّهُ مِنْ الشَّمْسِ، وَرَأَيْته فِي غَيْرِ كِتَابِ التَّنْقِيحِ، نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: لَا حُجَّةَ فِيهِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الرَّمْيُ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَقَعَ فِي غَيْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، أَمَّا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، أَوْ الثَّالِثِ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ قَدْ حَلَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ إحْرَامِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ أَلْفَاظُهُ، فَإِنْ وَرَدَ: حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، صَحَّ الِاحْتِجَاجُ، لَكِنَّهُ يَبْعُدُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَقْتَ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَذَلِكَ الْوَقْتُ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّظْلِيلِ مِنْ الْحَرِّ أَوْ الشَّمْسِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ كَذَلِكَ بِمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، فَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ فَضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَهَا حَتَّى إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ، الْحَدِيثَ، وَنَمِرَةُ: بِفَتْحِ النُّونِ، وَكَسْرِ الْمِيمِ مَوْضِعٌ بِعَرَفَةَ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: خَرَجْت مَعَ عُمَرَ، فَكَانَ يَطْرَحُ النِّطَعَ عَلَى الشَّجَرَةِ فَيَسْتَظِلُّ بِهِ يَعْنِي وَهُوَ مُحْرِمٌ. انْتَهَى.
قَالَ: (وَيُكْثِرُ مِنْ التَّلْبِيَةِ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ وَكُلَّمَا عَلَا شَرَفًا أَوْ هَبَطَ وَادِيًا أَوْ لَقِيَ رَكْبًا وَبِالْأَسْحَارِ) لِأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يُلَبُّونَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَالتَّلْبِيَةُ فِي الْإِحْرَامِ عَلَى مِثَالِ التَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ فَيُؤْتَى بِهَا عِنْدَ الِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ.
(وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ» فَالْعَجُّ: رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَالثَّجُّ: إسَالَةُ الدَّمِ.
الشرح:
قَوْله: وَيُكْثِرُ مِنْ التَّلْبِيَةِ عَقِيبَ الصَّلَاةِ، وَكُلَّمَا عَلَا شَرَفًا، أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، أَوْ لَقِيَ رَكْبًا، وَبِالْأَسْحَارِ.
لِأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يُلَبُّونَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ.
قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ سَابِطٍ، قَالَ: كَانَ السَّلَفُ يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ: فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ، وَإِذَا هَبَطُوا وَادِيًا، أَوْ عَلَوْهُ، وَعِنْدَ الْتِقَاءِ الرِّفَاقِ، انْتَهَى.
حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ خَيْثَمَةَ، قَالَ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ سِتٍّ: دُبُرَ الصَّلَاةِ، وَإِذَا اسْتَقْبَلَتْ بِالرَّجُلِ رَاحِلَتُهُ، وَإِذَا صَعِدَ شَرَفًا، أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، وَإِذَا لَقِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. انْتَهَى.
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: تُسْتَحَبُّ التَّلْبِيَةُ فِي مَوَاطِنَ: فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَحِينَ يَصْعَدُ شَرَفًا، وَحِينَ يَهْبِطُ وَادِيًا، وَكُلَّمَا اسْتَوَى بِك بَعِيرُك قَائِمًا، كُلَّمَا لَقِيت رُفْقَةً. انْتَهَى.
وَعُزِيَ إلَى ابْنِ نَاجِيَةَ فِي فَوَائِدِهِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ إذَا لَقِيَ رَكْبًا، أَوْ صَعِدَ أَكَمَةً، أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، وَفِي أَدْبَارِ الْمَكْتُوبَةِ، وَآخِرِ اللَّيْلِ»، انْتَهَى.
وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ وَلَمْ يَعْزُهُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ: قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ» فَالْعَجُّ: رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ، وَالثَّجُّ: إرَاقَةُ الدَّمِ.
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ الْخُوزِيِّ، قَالَ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «قَامَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: مَنْ الْحَاجُّ؟ قَالَ: الشَّعِثُ التَّفِلُ، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْعَجُّ وَالثَّجُّ، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: مَا السَّبِيلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ الْخُوزِيِّ الْمَكِّيِّ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، انْتَهَى.
وَزَادَ ابْنُ مَاجَهْ فِيهِ: قَالَ وَكِيعٌ: يَعْنِي بِالْعَجِّ: التَّلْبِيَةَ، وَالثَّجِّ: نَحْرَ الْبُدْنِ، انْتَهَى.
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِ آلِ عِمْرَانَ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْحَجِّ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْحَجَّ، وَقَالَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ: وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَرَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَجَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ: فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ التَّلْبِيَةِ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي بَابِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، وَيَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ بْنِ كَاسِبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ سُئِلَ أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الْعَجُّ وَالثَّجُّ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ عُثْمَانَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ، وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِيهِ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَرَوَى ضِرَارُ بْنُ صُرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَأَخْطَأَ فِيهِ ضِرَارٌ، قَالَ أَبُو عِيسَى: وَسَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ الْحَسَنِ يَقُولُ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَنْ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِيهِ فَقَدْ أَخْطَأَ، قَالَ: وَسَمِعْت مُحَمَّدًا يَقُولُ وَذَكَرْت لَهُ حَدِيثَ ضِرَارِ بْنِ صُرَدَ عَنْ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ فَقَالَ: هُوَ خَطَأٌ، فَقُلْت: قَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ أَيْضًا مِثْلَ رِوَايَتِهِ، فَقَالَ: لَا شَيْءَ، إنَّمَا رَوَوْهُ عَنْ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَرَأَيْته يُضَعِّفُ ضِرَارَ بْنَ صُرَدَ، انْتَهَى كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي خَطَّأَهَا أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ هِيَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ ثَنَا رَبِيعَةُ عَنْ عُثْمَانَ، وَالضَّحَّاكِ جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ.
وَذَكَرَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي مِيزَانِهِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَرْبُوعٍ، فَقَالَ: مَا رَوَى عَنْهُ سِوَى ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَهَذَا غَلَطٌ، فَإِنَّ الْبَزَّارَ قَالَ فِي مُسْنَدِهِ عَقِيبَ ذِكْرِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ قَدِيمٌ، حَدَّثَ عَنْهُ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، وَغَيْرُهُمَا، وَأَظُنُّ أَنَّ الَّذِي أَوْقَعَ الذَّهَبِيَّ فِي ذَلِكَ كَوْنُ الْمِزِّيِّ فِي كِتَابِهِ لَمْ يَذْكُرْ رَاوِيًا عَنْهُ غَيْرَ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَكَثِيرًا مَا وَقَعَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي كُتُبِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، وَاخْتَلَفَ عَنْهُ، فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَقَالَ: ضِرَارُ بْنُ صُرَدَ عَنْ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِيهِ، وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ، وَالضَّحَّاكِ جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ أَيْضًا: عَنْ الْمُنْكَدِرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، وَقَالَ أَهْلُ النَّسَبِ: إنَّهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ، وَمَنْ قَالَ: سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَدْ وَهَمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدَيْهِمَا، قَالَ الْأَوَّلُ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ»، وَالْعَجُّ: الْعَجِيجُ بِالتَّلْبِيَةِ، وَالثَّجُّ: نُحُورُ الدِّمَاءِ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الثَّانِي بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ سَوَاءً.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَرَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي كِتَابِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَإِسْحَاقُ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَى تَضْعِيفِهِ أَيْضًا، فَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَيَّاشٍ عَنْ الْحِجَازِيِّينَ، وَإِسْحَاقُ مَدَنِيٌّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
أَخْرَجَ أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ خَلَّادِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي، وَمَنْ مَعِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ، أَوْ قَالَ: بِالتَّلْبِيَةِ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، وَسَمِعْتهمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا»، انْتَهَى.
قَالَ: (فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ ابْتَدَأَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ» وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ زِيَارَةُ الْبَيْتِ وَهُوَ فِيهِ وَلَا يَضُرُّهُ لَيْلًا دَخَلَهَا أَوْ نَهَارًا لِأَنَّهُ دُخُولُ بَلْدَةٍ فَلَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا (وَإِذَا عَايَنَ الْبَيْتَ كَبَّرَ وَهَلَّلَ) وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ إذَا لَقِيَ الْبَيْتَ: بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ فِي الْأَصْلِ لِمَشَاهِدِ الْحَجِّ شَيْئًا مِنْ الدَّعَوَاتِ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ يَذْهَبُ بِالرِّقَّةِ وَإِنْ تَبَرَّكَ بِالْمَنْقُولِ مِنْهَا فَحَسَنٌ.
قَالَ: (ثُمَّ ابْتَدَأَ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَاسْتَقْبَلَهُ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ) لِمَا رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَابْتَدَأَ بِالْحَجَرِ فَاسْتَقْبَلَهُ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ».
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ ابْتَدَأَ بِالْمَسْجِدِ.
قُلْت: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ»، مُخْتَصَرٌ، وَأَخْرَجَا أَيْضًا عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ ثُمَّ يَجْلِسُ لِلنَّاسِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْجِهَادِ، وَمُسْلِمٌ فِي الصَّلَاةِ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: «كَانَ لَا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ إلَّا نَهَارًا فِي الضُّحَى، فَإِذَا قَدِمَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَكَّةَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ، ثُمَّ مَضَى عَلَى يَمِينِهِ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ أَتَى الْمَقَامَ، فَقَالَ: وَاِتَّخِذُوا» الْحَدِيثَ.
وَرَوَى أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ: «لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ لَمْ يَلْوِ عَلَى شَيْءٍ، وَلَمْ يُعَرِّجْ، وَلَا بَلَغَنَا أَنَّهُ دَخَلَ بَيْتًا، وَلَا لَوَّى بِشَيْءٍ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَبَدَأَ بِالْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ»، وَهَذَا أَجْمَعُ فِي حَجَّتِهِ وَعُمْرَتِهِ كُلِّهَا، انْتَهَى.
وَاسْتَشْهَدَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ لِهَذَا الْحَدِيثِ بِمَا أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «رَأَيْت النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ».
هَذَا، وَلَيْسَ فِيهِ مَقْصُودٌ، مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَفْظُهُ: «رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ يَخُبُّ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ السَّبْعِ»، انْتَهَى.
أَخْرَجَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَاسْتَشْهَدَ هَذَا الْجَاهِلُ بِمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: «حَتَّى إذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ»، الْحَدِيثَ، وَالْآخَرُ لَيْسَ فِيهِ مَقْصُودٌ، أَوْ هُوَ بَعِيدٌ عَنْ الْمَقْصُودِ.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إذَا لَقِيَ الْبَيْتَ: بِسْمِ اللَّهِ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ.
قُلْت: غَرِيبٌ، وَاَلَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمُحَمَّدٌ لَمْ يُعَيِّنْ فِي الْأَصْلِ لِمَشَاهِدِ الْحَجِّ شَيْئًا مِنْ الدَّعَوَاتِ، لِأَنَّ التَّوْقِيتَ يُذْهِبُ بِالرِّقَّةِ، وَإِنْ تَبَرَّكَ بِالْمَنْقُولِ مِنْهَا فَحَسَنٌ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: رَأَيْت فِي كِتَابِ ابْنِ الْمُفَلِّسِ قَالَ: وَذَكَرَ هُشَيْمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ إذَا نَظَرَ إلَى الْبَيْتِ، قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْك السَّلَامُ، حَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ، انْتَهَى.
قَالَ: وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، إلَى آخِرِهِ، فَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ سَعِيدٍ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْحَكَمِ بِسَنَدِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ يَعْقُوبَ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: سَمِعْت مِنْ عُمَرَ كَلِمَةً، مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ سَمِعَهَا غَيْرِي، سَمِعْته يَقُولُ إذَا رَأَى الْبَيْتَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ، فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ شَاهِدٌ لِسَمَاعِ سَعِيدٍ مِنْ عُمَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ إذَا رَأَى الْبَيْتَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا، وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً، وَزِدْ مَنْ شَرَّفَهُ وَكَرَّمَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ، أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا، وَتَكْرِيمًا وَبِرًّا».
وَهَذَا مُعْضِلٌ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَسْت أَكْرَهُ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ، وَلَا أَسْتَحِبُّهُ، وَلَكِنَّهُ عِنْدِي حَسَنٌ. انْتَهَى.
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ سَعْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ نَهَارًا مِنْ كُدًى، فَلَمَّا رَأَى الْبَيْتَ، قَالَ: اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا، وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً، وَزِدْ مَنْ عَظَّمَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ، أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا، وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً، وَبِرًّا».
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا انْتَهَى إلَى الرُّكْنِ اسْتَلَمَهُ، وَهُوَ مُضْطَبِعٌ بِرِدَائِهِ، وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، إيمَانًا بِاَللَّهِ، وَتَصْدِيقًا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ»، وَحَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّهُ «سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِيمَا بَيْنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِي وَالْأَسْوَدِ: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ».
الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ: رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَابْتَدَأَ بِالْحَجَرِ فَاسْتَقْبَلَهُ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ».
قُلْت: أَمَّا ابْتِدَاؤُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْحَجَرِ فَهُوَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: «حَتَّى إذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، فَرَمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا»، الْحَدِيثَ.
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ بَدَأَ بِالْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ مَضَى عَلَى يَمِينِهِ، فَرَمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا»، انْتَهَى.
وَأَمَّا التَّكْبِيرُ وَالتَّهْلِيلُ، فَلَمْ أَجِدْ، لَكِنَّ التَّكْبِيرَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ الْبَعِيرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ طَافَ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ وَكَبَّرَ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَهِلَ مَنْ عَزَاهُ لِمُسْلِمٍ، فَإِنَّ حَدِيثَ مُسْلِمٍ لَيْسَ فِيهِ التَّكْبِيرُ، وَلَفْظُهُ: عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «طَافَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ»، انْتَهَى.
وَأَمَّا التَّهْلِيلُ، فَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لَهُ: يَا عُمَرُ إنَّك رَجُلٌ قَوِيٌّ لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ، فَتُؤْذِي الضَّعِيفَ، إنْ وَجَدْت خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ، وَكَبِّرْ وَهَلِّلْ»، انْتَهَى.
قَالَ: (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ»، وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا اسْتِلَامَ الْحَجَرِ.
قَالَ: (وَاسْتَلَمَهُ إنْ اسْتَطَاعَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْذِيَ مُسْلِمًا) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَبَّلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَوَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ وَقَالَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّك رَجُلٌ أَيِّدٌ تُؤْذِي الضَّعِيفَ فَلَا تُزَاحِمْ النَّاسَ عَلَى الْحَجَرِ وَلَكِنْ إنْ وَجَدْت فُرْجَةً فَاسْتَلِمْهُ وَإِنْ لَا فَاسْتَقْبِلْهُ وَهَلِّلْ وَكَبِّرْ» وَلِأَنَّ الِاسْتِلَامَ سُنَّةٌ وَالتَّحَرُّزَ عَنْ أَذَى الْمُسْلِمِ وَاجِبٌ.
قَالَ: (وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَمَسَّ الْحَجَرَ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ) كَالْعُرْجُونِ وَغَيْرِهِ (ثُمَّ قَبَّلَ ذَلِكَ فَعَلَ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ طَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَاسْتَلَمَ الْأَرْكَانَ بِمِحْجَنِهِ» وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ اسْتَقْبَلَهُ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ» وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا اسْتِلَامَ الْحَجَرِ.
قُلْت: تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَلَيْسَ فِيهِ اسْتِلَامُ الْحَجَرِ.
الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَبَّلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، وَوَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «اسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْحَجَرَ، ثُمَّ وَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ، فَبَكَى طَوِيلًا، ثُمَّ الْتَفَتَ، فَإِذَا هُوَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَبْكِي، فَقَالَ: يَا عُمَرُ هَاهُنَا تُسْكَبُ الْعُيُونُ» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَلَكِنَّهُ فِي مِيزَانِهِ أَعَلَّهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ عَوْنٍ، وَنَقَلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ، وَابْنُ عَدِيٍّ فِي كِتَابَيْهِمَا، وَأَسْنَدَ ابْنُ عَدِيٍّ تَضْعِيفَ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: هُوَ قَلِيلُ الرِّوَايَةِ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ إلَّا إذَا وَافَقَ الثِّقَاتِ، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْإِمَامِ: وَمُحَمَّدُ بْنُ عَوْنٍ هَذَا هُوَ الْخُرَاسَانِيُّ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ، وَالرَّازِيِّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ، وَالْأَزْدِيُّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الشَّفَتَيْنِ، أَخْرَجُوهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ جَاءَ إلَى الْحَجَرِ فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: إنِّي أَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُك مَا قَبَّلْتُك. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ بِزِيَادَةٍ فِيهِ، أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، وَاسْمُهُ: عُمَارَةُ بْنُ جُوَيْنٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَوَّلَ حَجَّةٍ حَجَّهَا مِنْ إمَارَتِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَتَى الْحَجَرَ فَقَبَّلَهُ، وَاسْتَلَمَهُ، وَقَالَ: إنِّي أَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُك مَا قَبَّلْتُك، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّهُ لَيَضُرُّ وَيَنْفَعُ، وَلَوْ عَلِمْت تَأْوِيلَ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَعَلِمْت أَنَّهُ كَمَا أَقُول، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّك مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى» فَلَمَّا أَقَرُّوا أَنَّهُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّهُمْ الْعَبِيدُ كَتَبَ مِيثَاقَهُمْ فِي رَقٍّ، ثُمَّ أَلْقَمَهُ فِي هَذَا الْحَجَرِ، وَأَنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَهُ عَيْنَانِ وَلِسَانَانِ وَشَفَتَانِ، يَشْهَدُ لِمَنْ وَافَاهُ بِالْمُوَافَاةِ، فَهُوَ أَمِينُ اللَّهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا أَبْقَانِي اللَّهُ بِأَرْضٍ لَسْت فِيهَا يَا أَبَا الْحَسَنِ. انْتَهَى.
وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، فَإِنَّهُمَا لَمْ يَحْتَجَّا بِأَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، انْتَهَى.
قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَأَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيُّ سَاقِطٌ. انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ، فَقَالَ: رَأَيْته عَلَيْهِ السَّلَامُ يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ فِي آخِرِ مُسْنَدِ أَبِي بَكْرٍ بِسَنَدِهِ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ رَجُلٍ رَأَى «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عِنْدَ الْحَجَرِ، فَقَالَ: إنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، ثُمَّ قَبَّلَهُ، قَالَ: ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ فَوَقَفَ عِنْدَ الْحَجَرِ، فَقَالَ: إنِّي أَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُك مَا قَبَّلْتُك»، انْتَهَى.
وَهَذَا مَتْنٌ غَرِيبٌ، وَتُرَاجَعُ بَقِيَّةُ إسْنَادِهِ.
الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ: رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِعُمَرَ: إنَّك رَجُلٌ أَيِّدٌ تُؤْذِي الضَّعِيفَ، فَلَا تُزَاحِمْ النَّاسَ عَلَى الْحَجَرِ، وَلَكِنْ إنْ وَجَدْت فُرْجَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ، وَكَبِّرْ وَهَلِّلْ».
قُلْت: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ الْعَبْدِيِّ وَاسْمُهُ: وَقْدَانُ، قَالَ: سَمِعْت شَيْخَنَا بِمَكَّةَ فِي إمَارَةِ الْحَجَّاجِ يُحَدِّثُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ لَهُ: إنَّك رَجُلٌ قَوِيٌّ، لَا تُزَاحِمْ النَّاسَ عَلَى الْحَجَرِ، فَتُؤْذِي الضَّعِيفَ، إنْ وَجَدْت خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ، وَكَبِّرْ وَهَلِّلْ»، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا السُّفْيَانَانِ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ بِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ بِهِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: ذَكَرُوا أَنَّ هَذَا الشَّيْخَ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ طَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَاسْتَلَمَ الْأَرْكَانَ بِمِحْجَنِهِ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ، وَمِنْ حَدِيثِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ طَارِقِ بْنِ أَشْيَمَ.
فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ طَافَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ»، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «طَافَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِمِحْجَنِهِ، لَأَنْ يَرَاهُ النَّاسُ، أَوْ لِيُشْرِفَ وَلِيَسْأَلُوهُ، فَإِنَّ النَّاسَ غَشُوهُ»، انْتَهَى.
وأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ، فَذَكَرَهُ إلَى قَوْلِهِ: لَأَنْ يَرَاهُ النَّاسُ، وَيُرَاجَعُ.
وَحَدِيثُ أَبِي الطُّفَيْلِ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ، وَاسْمُهُ: عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ، قَالَ: «رَأَيْت النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ، وَيُقَبِّلُ الْمِحْجَنَ»، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ صَفِيَّةَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، قَالَتْ: «لَمَّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ طَافَ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ فِي يَدِهِ، قَالَتْ: وَأَنَا أَنْظُرُ إلَيْهِ»، انْتَهَى.
وَصْفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ أَخْرَجَ لَهَا الْبُخَارِيُّ حَدِيثًا فِي صَحِيحِهِ، وَقِيلَ: لَيْسَتْ بِصَحَابِيَّةٍ، فَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ، حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّسَائِيّ، وَالْبَرْقَانِيِّ، وَقَدْ ذَكَرَهَا ابْنُ السَّكَنِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الصَّحَابَةِ، وَقِيلَ: لَهَا رُؤْيَةٌ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ.
وَحَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْهَا أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَخْطُبُ عَامَ الْفَتْحِ، غَيْرَ أَنَّ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَفِيهِ مَقَالٌ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِطَوَافِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَاكِبًا، فَقِيلَ: لَأَنْ يَرَاهُ النَّاسُ، صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي مُسْلِمٍ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَأَخْرَجَا عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْبِرْنِي عَنْ الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رَاكِبًا، أَسُنَّةٌ هُوَ؟ فَإِنَّ قَوْمَك يَزْعُمُونَ أَنَّهُ سُنَّةٌ، قَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا.
قُلْت: مَا قَوْلُك: صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟ قَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ، يَقُولُونَ: هَذَا مُحَمَّدٌ، هَذَا مُحَمَّدٌ، حَتَّى خَرَجَ الْعَوَاتِقُ مِنْ الْخُدُورِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُضْرَبُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا كَثُرُوا عَلَيْهِ رَكِبَ»، وَالْمَشْيُ وَالسَّعْيُ أَفْضَلُ مُخْتَصَرٌ، وَقِيلَ: كَرَاهِيَةَ أَنْ يُضْرَبَ عَنْهُ النَّاسُ، وَرَدَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَيْتِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ، كَرَاهِيَةَ أَنْ يُضْرَبَ عَنْهُ النَّاسُ»، انْتَهَى.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَيْسَ بِنَاجِحٍ، لِاحْتِمَالِ عَوْدِ الضَّمِيرِ فِي عَنْهُ إلَى الرُّكْنِ، انْتَهَى.
قِيلَ: إنَّهُ كَانَ بِهِ شِكَايَةٌ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ مَكَّةَ وَهُوَ يَشْتَكِي، فَطَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَنَاخَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَضَعَّفَ ابْنَ أَبِي زِيَادٍ، وَقَالَ: إنَّهُ تَفَرَّدَ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ يَشْتَكِي لَمْ يُوَافَقْ عَلَيْهَا، انْتَهَى.
قُلْت: رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَنَّهُ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَعَ عِكْرِمَةَ، فَجَعَلَ حَمَّادٌ يَصْعَدُ الصَّفَا، وَعِكْرِمَةُ لَا يَصْعَدُهُ، وَيَصْعَدُ حَمَّادٌ الْمَرْوَةَ، وَعِكْرِمَةُ لَا يَصْعَدُهُ، فَقَالَ لَهُ حَمَّادٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَلَا تَصْعَدُ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ؟ فَقَالَ: هَكَذَا كَانَ طَوَافُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حَمَّادٌ: فَلَقِيت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، فَذَكَرْت لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: «إنَّمَا طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَهُوَ شَاكٍ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ بِمِحْجَنٍ، فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَلَى رَاحِلَتِهِ»، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يَصْعَدْ. انْتَهَى.
وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَقَدْ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ إلَى هَذَا الْمَعْنَى، فَقَالَ: بَابُ الْمَرِيضِ يَطُوفُ رَاكِبًا، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا اشْتَكَتْ، فَقَالَ لَهَا عَلَيْهِ السَّلَامُ: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ، قَالَتْ: فَطُفْت وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إلَى جَنْبِ الْبَيْتِ»، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ، فَقَالَ لَهَا عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ لِلصُّبْحِ فَطُوفِي عَلَى بَعِيرِك، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ»، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ طَارِقِ بْنِ أَشْيَمَ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيّ، وَابْنُ قَانِعٍ فِي مُعْجَمَيْهِمَا، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قُدَامَةَ الثَّقَفِيِّ ثَنَا أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ حَوْلَ الْبَيْتِ، فَإِذَا ازْدَحَمَ النَّاسُ عَلَى الْحَجَرِ اسْتَقْبَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِحْجَنٍ بِيَدِهِ»، انْتَهَى.
قَالَ الْبَغَوِيّ: لَا أَعْلَمُ رَوَى هَذَا غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الثَّقَفِيِّ، وَأَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ اسْمُهُ: سَعْدُ بْنُ طَارِقٍ، وَأَبُوهُ طَارِقُ بْنُ أَشْيَمَ، سَكَنَ الْكُوفَةَ، رَوَى عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَحَادِيثَ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قُدَامَةَ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، وَقَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَقَالَ شَيْخُنَا الْمُنْذِرِيُّ: رِجَالُ هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، خَلَا مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قُدَامَةَ الثَّقَفِيَّ، فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ، قَالَ: إنَّ فِيهِ نَظَرًا. انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ عُمَارَةَ: فَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أُمِّ عُمَارَةَ، قَالَتْ: «شَهِدْت عُمْرَةَ الْقَضَاءِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنْت قَدْ شَهِدْت الْحُدَيْبِيَةَ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى انْتَهَى إلَى الْبَيْتِ، وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ آخِذٌ بِزِمَامِهَا، وَقَدْ صُفَّ لَهُ الْمُسْلِمُونَ،فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ مُضْطَبِعًا بِثَوْبِهِ عَلَى رَاحِلَتِهِ»، مُخْتَصَرٌ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: «رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ، ثُمَّ يُقَبِّلُ يَدَهُ، وَقَالَ: مَا تَرَكْته مُنْذُ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ»، انْتَهَى.
قَالَ: (ثُمَّ أَخَذَ عَنْ يَمِينِهِ مِمَّا يَلِي الْبَابَ وَقَدْ اضْطَبَعَ رِدَاءَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ ثُمَّ أَخَذَ عَنْ يَمِينِهِ مِمَّا يَلِي الْبَابَ فَطَافَ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ».
(وَالِاضْطِبَاعُ أَنْ يَجْعَلَ رِدَاءَهُ تَحْتَ إبْطِهِ الْأَيْمَنِ وَيُلْقِيَهُ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ) وَهُوَ سُنَّةٌ، وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
قَالَ: (وَيَجْعَلُ طَوَافَهُ مِنْ وَرَاءِ الْحَطِيمِ) وَهُوَ اسْمٌ لِمَوْضِعٍ فِيهِ الْمِيزَابُ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ حُطِّمَ مِنْ الْبَيْتِ: أَيْ كُسِّرَ، وَسُمِّيَ حِجْرًا لِأَنَّهُ حُجِرَ مِنْهُ: أَيْ مُنِعَ وَهُوَ مِنْ الْبَيْتِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَإِنَّ الْحَطِيمَ مِنْ الْبَيْتِ، فَلِهَذَا يَجْعَلُ الطَّوَافَ مِنْ وَرَائِهِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ الْفُرْجَةَ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنَّهُ إذَا اسْتَقْبَلَ الْحَطِيمَ وَحْدَهُ لَا تُجْزِيهِ الصَّلَاةُ، لِأَنَّ فَرْضِيَّةَ التَّوَجُّهِ ثَبَتَتْ بِنَصِّ الْكِتَابِ، فَلَا تَتَأَدَّى بِمَا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ احْتِيَاطًا وَالِاحْتِيَاطُ فِي الطَّوَافِ أَنْ يَكُونَ وَرَاءَهُ.
قَالَ: (وَيَرْمُلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ الْأَشْوَاطِ) وَالرَّمَلُ أَنْ يَهُزَّ فِي مِشْيَتِهِ الْكَتِفَيْنِ كَالْمُبَارِزِ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، وَذَلِكَ مَعَ الِاضْطِبَاعِ وَكَانَ سَبَبُهُ إظْهَارَ الْجَلَدِ لِلْمُشْرِكِينَ حِينَ قَالُوا: أَضْنَاهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، ثُمَّ بَقِيَ الْحُكْمُ بَعْدَ زَوَالِ السَّبَبِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَبَعْدَهُ.
قَالَ: (وَيَمْشِي فِي الْبَاقِي عَلَى هِينَتِهِ) عَلَى ذَلِكَ اتَّفَقَ رُوَاةُ نُسُكِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ (وَالرَّمَلُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ) وَهُوَ الْمَنْقُولُ مِنْ رَمَلِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ (فَإِنْ زَحَمَهُ النَّاسُ فِي الرَّمَلِ قَامَ، فَإِذَا وَجَدَ مَسْلَكًا رَمَلَ) لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ فَيَقِفُ حَتَّى يُقِيمَهُ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ بِخِلَافِ الِاسْتِلَامِ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ بَدَلٌ لَهُ.
قَالَ: (وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ كُلَّمَا مَرَّ بِهِ إنْ اسْتَطَاعَ) لِأَنَّ أَشْوَاطَ الطَّوَافِ كَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ، فَكَمَا يَفْتَتِحُ كُلَّ رَكْعَةٍ بِالتَّكْبِيرِ يَفْتَتِحُ كُلَّ شَوْطٍ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الِاسْتِلَامَ اسْتَقْبَلَ، وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا (وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ) وَهُوَ حَسَنٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ (وَلَا يَسْتَلِمُ غَيْرَهُمَا) فَإِنَّ «النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَسْتَلِمُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ وَلَا يَسْتَلِمُ غَيْرَهُمَا» (وَيَخْتِمُ الطَّوَافَ بِالِاسْتِلَامِ) يَعْنِي اسْتِلَامَ الْحَجَرِ.
قَالَ: (ثُمَّ يَأْتِي الْمَقَامَ فَيُصَلِّي عِنْدَهُ رَكْعَتَيْنِ أَوْ حَيْثُ تَيَسَّرَ مِنْ الْمَسْجِدِ) وَهِيَ وَاجِبَةٌ، عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: سُنَّةٌ لِانْعِدَامِ دَلِيلِ الْوُجُوبِ.
وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «وَلِيُصَلِّ الطَّائِفُ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ» وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ (ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ فَيَسْتَلِمُهُ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عَادَ إلَى الْحَجَرِ»، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ لِأَنَّ الطَّوَافَ لَمَّا كَانَ يُفْتَتَحُ بِالِاسْتِلَامِ، فَكَذَا السَّعْيُ يُفْتَتَحُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ سَعْيٌ.
قَالَ: (وَهَذَا الطَّوَافُ طَوَافُ الْقُدُومِ) وَيُسَمَّى طَوَافَ التَّحِيَّةِ (وَهُوَ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ).
وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: إنَّهُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ أَتَى الْبَيْتَ فَلْيُحَيِّهِ بِالطَّوَافِ».
وَلَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالطَّوَافِ وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَقَدْ تَعَيَّنَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِيمَا رَوَاهُ سَمَّاهُ تَحِيَّةً وَهُوَ دَلِيلُ الِاسْتِحْبَابِ (وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ طَوَافُ الْقُدُومِ) لِانْعِدَامِ الْقُدُومِ فِي حَقِّهِمْ.
الشرح:
الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ، ثُمَّ أَخَذَ عَنْ يَمِينِهِ مِمَّا يَلِي الْبَابَ، فَطَافَ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَكَّةَ بَدَأَ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ مَضَى عَلَى يَمِينِهِ، فَرَمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا»، انْتَهَى.
وعِنْد الْبَيْهَقِيّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ «بَدَأَ فَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ، ثُمَّ أَخَذَ عَنْ يَمِينِهِ، فَرَمَلَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ، وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ أَتَى الْمَقَامَ فَصَلَّى خَلْفَهُ رَكْعَتَيْنِ».
الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالِاضْطِبَاعُ أَنْ يَجْعَلَ رِدَاءَهُ تَحْتَ إبْطِهِ الْأَيْمَنِ، وَيُلْقِيَهُ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ، وَهُوَ سُنَّةٌ، وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ اعْتَمَرُوا مِنْ الْجِعْرَانَةِ، فَرَمَلُوا بِالْبَيْتِ، وَجَعَلُوا أَرْدِيَتَهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، ثُمَّ قَذَفُوهَا عَلَى عَوَاتِقِهِمْ الْيُسْرَى»، انْتَهَى.
وسَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَهُ، ثُمَّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَزَادَ فِيهِ فَاضْطَبَعُوا وَجَعَلُوا أَرْدِيَتَهُمْ، الْحَدِيثَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: «طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَبِعًا بِبُرْدٍ أَخْضَرَ»، انْتَهَى.
وَالتِّرْمِذِيُّ أَخْرَجَهُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ يَعْلَى بِهِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى.
وَبِالْإِسْنَادَيْنِ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «فَإِنَّ الْحَطِيمَ مِنْ الْبَيْتِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
قَالَتْ: «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحِجْرِ، أَمِنْ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَ: إنَّ قَوْمَك قَصَّرَتْ بِهِمْ النَّفَقَةُ. قُلْت: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا، قَالَ: فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمُك لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا، وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَك حَدِيثُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ، وَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ لَنَظَرْت أَنْ أُدْخِلَ الْحِجْرَ بِالْبَيْتِ، وَأَنْ أُلْزِقَ بَابَهُ بِالْأَرْضِ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «كُنْت أُحِبُّ أَنْ أَدْخُلَ الْبَيْتَ وَأُصَلِّيَ فِيهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي فِي الْحُجْرَةِ، فَقَالَ: صَلِّي فِي الْحِجْرِ إذَا أَرَدْت دُخُولَ الْبَيْتِ، فَإِنَّمَا هُوَ قِطْعَةٌ مِنْ الْبَيْتِ، فَإِنَّ قَوْمَك اقْتَصَرُوا حِينَ بَنَوْا الْكَعْبَةَ، فَأَخْرَجُوهُ مِنْ الْبَيْتِ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى.
وَعَلْقَمَةُ هَذَا هُوَ عَلْقَمَةُ بْنُ بِلَالٍ مَوْلَى عَائِشَةَ تَابِعِيٌّ مَدَنِيٌّ، احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأُمُّهُ حَكَى الْبُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ أَنَّ اسْمَهَا مَرْجَانَةُ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ، وَالْأَزْرَقِيُّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ مِنْ حَدِيثِ دَاوُد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أُبَالِي فِي الْحِجْرِ صَلَّيْت، أَوْ فِي الْبَيْتِ»، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رَفْعُهُ وَهْمٌ، وَالصَّوَابُ وَقْفُهُ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الْحِجْرُ مِنْ الْبَيْتِ لِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ بِالْبَيْتِ مِنْ وَرَائِهِ»، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} انْتَهَى.
وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَرْمُلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ الْأَشْوَاطِ، وَيَمْشِي فِيمَا بَقِيَ عَلَى هِينَتِهِ، عَلَى ذَلِكَ اتَّفَقَ رُوَاةُ نُسُكِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ خَبَّ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، وَكَانَ يَسْعَى بِبَطْنِ الْمَسِيلِ إذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ سَالِمًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ لِي: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ حِينَ يَقْدَمُ يَخُبُّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ مِنْ السَّبْعِ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا طَافَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَوَّلَ مَا يَقْدَمُ فَإِنَّهُ يَسْعَى ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، وَيَمْشِي أَرْبَعًا، ثُمَّ يُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ وَيَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ»، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: «حَتَّى إذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، فَرَمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا»، الْحَدِيثَ.
وَفِي لَفْظٍ عَنْهُ، قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَلَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ حَتَّى انْتَهَى إلَيْهِ، ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ»، انْتَهَى.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: وَكَانَ سَبَبُهُ إظْهَارَ الْجَلَدِ لِلْمُشْرِكِينَ، حِينَ قَالُوا: أَضْنَاهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، ثُمَّ بَقِيَ الْحُكْمُ بَعْدَ زَوَالِ السَّبَبِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَبَعْدَهُ.
قُلْت: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ، وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إنَّهُ يَقْدَمُ غَدًا عَلَيْكُمْ قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمْ الْحُمَّى، وَلَقُوا مِنْهَا شِدَّةً، فَجَلَسُوا مِمَّا يَلِي الْحِجْرَ، وَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَرْمُلُوا ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ، وَيَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى قَدْ وَهَنَتْهُمْ؟ هُمْ أَجْلَدُ مِنْ كَذَا وَكَذَا».
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا، إلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ، قَالَ: مَا لَنَا وَلِلرَّمَلِ إنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ أَهْلَكَهُمْ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: شَيْءٌ صَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ، مُخْتَصَرٌ.
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إنَّمَا سَعَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَمَلَ بِالْبَيْتِ لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ يَقُولُ: فِيمَ الرَّمَلَانِ وَكَشْفُ الْمَنَاكِبِ، وَقَدْ أَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ، وَنَفَى الْكُفْرَ وَأَهْلَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا نَدَعُ شَيْئًا كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ اضْطَبَعَ فَاسْتَلَمَ وَكَبَّرَ وَرَمَلَ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، كَانُوا إذَا بَلَغُوا الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ وَتَغَيَّبُوا عَنْ قُرَيْشٍ مَشَوْا، ثُمَّ يَطْلُعُونَ عَلَيْهِمْ، فَيَرْمُلُونَ، تَقُولُ قُرَيْشٌ: كَأَنَّهُمْ الْغِزْلَانُ»، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَكَانَتْ سُنَّةً، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: يَزْعُمُ قَوْمُك «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَمَلَ بِالْبَيْتِ، وَأَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ، قَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا. قُلْت: مَا صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟ قَالَ: صَدَقُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَمَلَ، وَكَذَبُوا لَيْسَ بِسُنَّةٍ، إنَّهُ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَكَّةَ، قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ مِنْ الْهُزَالِ، وَكَانُوا يَحْسُدُونَهُ، قَالَ: فَأَمَرَهُمْ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَرْمُلُوا ثَلَاثًا، وَيَمْشُوا أَرْبَعًا»، مُخْتَصَرٌ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالرَّمَلُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ هُوَ الْمَنْقُولُ فِي رَمَلِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ.
أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «رَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «أَنَّ بْنَ عُمَرَ رَمَلَ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ، وَذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ»، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ بِنَحْوِهِ، سَوَاءً، وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِهِ، وَمِنْ طَرِيقِهِ مُسْلِمٌ، وَوَهَمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ، فَعَزَاهُ لِلشَّيْخَيْنِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ، وَعَبْدُ الْحَقِّ فِي كِتَابَيْهِمَا الْجَمْعُ بَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُنْتَقَى: حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ خَلَفٌ فِي أَطْرَافِهِ مِنْ مُفْرَدَاتِ مُسْلِمٍ، وَعَزَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ لِمُسْلِمٍ فَقَطْ، وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ أَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ لَا حَدِيثَ جَابِرٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الطُّفَيْلِ: فَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا الطُّفَيْلِ عَامِرَ بْنَ وَاثِلَةَ يَقُولُ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَلَ ثَلَاثًا مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلٌ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَمَلَ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ»، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَسْتَلِمُ غَيْرَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ فِي الْبَيْتِ إلَّا الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: «كَانَ لَا يَسْتَلِمُ إلَّا الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُ غَيْرَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ»، وَاحْتَجَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِأَبِي حَنِيفَةَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اسْتِلَامَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِ غَيْرُ سُنَّةٍ، بِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَتِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ عَنْ بَعْضِ بَنِي يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: كُنْت مَعَ عُمَرَ فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ، قَالَ يَعْلَى: وَكُنْت مِمَّا يَلِي الْبَيْتَ، فَلَمَّا بَلَغْت الرُّكْنَ الْغَرْبِيَّ الَّذِي يَلِي الْأَسْوَدَ مَرَرْت بَيْنَ يَدَيْهِ لِأَسْتَلِمَ، فَقَالَ لِي: مَا شَأْنُك؟ قُلْت: أَلَا نَسْتَلِمُ هَذَيْنِ؟ قَالَ: أَلَمْ تَطُفْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقُلْت: نَعَمْ، قَالَ: أَرَأَيْته يَسْتَلِمُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ يَعْنِي الْغَرْبِيَّيْنِ؟.
قُلْت: لَا، قَالَ: أَفَلَيْسَ لَك فِيهِ أُسْوَةٌ؟ قُلْت: بَلَى، قَالَ: فَانْفُذْ عَنْك، انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَفِي صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «وَلْيُصَلِّ الطَّائِفُ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ».
قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا طَافَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَوَّلَ مَا يَقْدَمُ، فَإِنَّهُ يَسْعَى ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، وَيَمْشِي أَرْبَعًا، ثُمَّ يُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، ثُمَّ صَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}»، انْتَهَى.
وَقَالَ أَيْضًا فِي صَحِيحِهِ: بَابُ صَلَاةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ: قُلْت لِلزُّهْرِيِّ: إنَّ عَطَاءً يَقُولُ:
تُجْزِئُهُ الْمَكْتُوبَةُ مِنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، فَقَالَ: السُّنَّةُ أَفْضَلُ، (لَمْ يَطُفْ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُسْبُوعًا قَطُّ إلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ)، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: قَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى.
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ ثَنَا مُنْذِرٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ (أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُصَلِّي لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ)، انْتَهَى.
وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ تَمَّامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيّ فِي فَوَائِدِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَرَجِ بْنِ مَهْدِيٍّ الْبَغْدَادِيُّ ثَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدَةَ الْقَاضِي ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ الشَّامِيُّ ثَنَا عَدِيُّ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ»، انْتَهَى.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ، (مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ مَعَ كُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ، لَا يُجْزِئُ مِنْهُمَا تَطَوُّعٌ وَلَا فَرِيضَةٌ)، انْتَهَى.
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ نَحْوَهُ، سَوَاءً.
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا أَجْنَبِيَّةٌ عَنْ حَدِيثِ الْكِتَابِ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَدَلَّ بِهِ لِلشَّافِعِيِّ عَلَى وُجُوبِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، وَعِنْدَنَا هِيَ سُنَّةٌ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا، إلَّا أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ: (سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ)، بِمَعْنَى أَمَرَ وَأَوْجَبَ، كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَقَدْ (سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّوَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ)، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا، أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ (أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ عَادَ إلَى الْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ).
قُلْت: فِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا قَضَى طَوَافَهُ وَرَكَعَ الرَّكْعَتَيْنِ،فَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ»، انْتَهَى.
هُوَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، وَلْنَذْكُرْهُ بِرُمَّتِهِ، فَإِنَّهُ عُمْدَةٌ فِي مَنَاسِكِ الْحَجِّ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَسَأَلَ عَنْ الْقَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إلَيَّ، فَقُلْت: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، فَأَهْوَى بِيَدِهِ إلَى رَأْسِي فَنَزَعَ زِرِّي الْأَعْلَى، ثُمَّ نَزَعَ زِرِّي الْأَسْفَلَ، ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِك يَا ابْنَ أَخِي، سَلْ عَمَّا شِئْت، فَسَأَلْته، وَهُوَ أَعْمَى، وَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، فَقَامَ فِي نِسَاجَةٍ مُلْتَحِفًا بِهَا، كُلَّمَا وَضَعَهَا عَلَى مَنْكِبَيْهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إلَيْهِ مِنْ صِغَرِهَا، وَرِدَاؤُهُ إلَى جَنْبِهِ عَلَى الْمِشْجَبِ، فَصَلَّى بِنَا، فَقُلْت: أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بِيَدِهِ، فَعَقَدَ تِسْعًا، فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ حَاجٌّ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَأَرْسَلَتْ إلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: اغْتَسِلِي، وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ، وَأَحْرِمِي، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى إذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ نَظَرْتُ إلَى مَدَى بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ، وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ، وَمَا عَمِلَ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَك، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ شَيْئًا مِنْهُ، وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلْبِيَتَهُ، قَالَ جَابِرٌ: لَسْنَا نَنْوِي إلَّا الْحَجَّ، لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ، حَتَّى إذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، فَرَمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ تَقَدَّمَ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَرَأَ {وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}، فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَكَانَ أَبِي يَقُولُ: وَلَا أَعْلَمُ ذِكْرَهُ إلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْبَابِ إلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنْ الصَّفَا قَرَأَ {إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ، قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إلَى الْمَرْوَةِ، حَتَّى إذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي رَمَلَ، حَتَّى إذَا صَعِدَتَا مَشَى، حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ، قَالَ: لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ، وَجَعَلْتهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً، فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا، أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى، وَقَالَ: دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ لَا بَلْ لِأَبَدٍ أَبَدٍ، وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَوَجَدَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِمَّنْ حَلَّ، وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا، وَاكْتَحَلَتْ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: إنَّ أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا، قَالَ: فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ: فَذَهَبْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ، لِلَّذِي صَنَعَتْ، مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ، فَأَخْبَرْته أَنِّي أَنْكَرْت ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: صَدَقَتْ صَدَقَتْ، مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ؟ قَالَ: قُلْت: اللَّهُمَّ إنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُك، قَالَ: فَإِنَّ مَعِي الْهَدْيَ فَلَا تَحِلُّ، قَالَ: فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِمَا أَهَلَّ بِهِ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ الْيَمَنِ، وَاَلَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِائَةً، قَالَ: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا، إلَّا النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إلَى مِنًى، فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ، فَضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ، وَقَالَ: إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ مِنْ رِبَانَا رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، وَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْت فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابَ اللَّهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّك قَدْ بَلَّغْت، وَأَدَّيْت، وَنَصَحْت، فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إلَى السَّمَاءِ، وَيَنْكُتُهَا إلَى النَّاسِ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتْ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا، حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ، وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، حَتَّى إنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ، كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا مِنْ الْحِبَالِ، أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ، حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، بِأَذَانٍ وَاحِدٍ، وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَصَلَّى الْفَجْرَ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ، بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ، وَكَانَ رَجُلًا حَسَنَ الشَّعْرِ، أَبْيَضَ وَسِيمًا، فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إلَيْهِنَّ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ، فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ، إلَى الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ، فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ مِنْ الشِّقِّ الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ، فَصَرَفَ وَجْهَهُ مِنْ الشِّقِّ الْآخَرِ، يَنْظُرُ حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ، فَحَرَّكَ قَلِيلًا، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تُخْرِجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى، حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا سَبْعَ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ، رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ، فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا، فَنَحَرَ مَا غَبَرَ، وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ، ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ، فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا، وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَاضَ إلَى الْبَيْتِ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ، فَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ، فَقَالَ: انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمْ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْت مَعَكُمْ، فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهَا»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّانِي، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالْبَزَّارُ، وَالدَّارِمِيُّ، فِي مَسَانِيدِهِمْ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَالْحِكْمَةُ فِي أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَحَرَ بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً، أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، فَنَحَرَ لِكُلِّ سَنَةٍ مِنْ سِنِيهِ بَدَنَةً، وَأَمَرَ عَلِيًّا بِالْبَاقِي، فَنَحَرَهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ أَتَى الْبَيْتَ فَلْيُحَيِّهِ بِالطَّوَافِ».
قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا.
قَالَ: (ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّفَا فَيَصْعَدُ عَلَيْهِ وَيَسْتَقْبِلُ الْبَيْتَ وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَدْعُو اللَّهَ لِحَاجَتِهِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَعِدَ الصَّفَا حَتَّى إذَا نَظَرَ إلَى الْبَيْتِ قَامَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو اللَّهَ» وَلِأَنَّ الثَّنَاءَ وَالصَّلَاةَ يُقَدَّمَانِ عَلَى الدُّعَاءِ تَقْرِيبًا إلَى الْإِجَابَةِ كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الدَّعَوَاتِ، وَالرَّفْعُ سُنَّةُ الدُّعَاءِ وَإِنَّمَا صَعِدَ بِقَدْرِ مَا يَصِيرُ الْبَيْتُ بِمَرْأًى مِنْهُ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالصُّعُودِ وَيَخْرُجُ إلَى الصَّفَا مِنْ أَيِّ جَنْبٍ شَاءَ.
وَإِنَّمَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى بَابَ الصَّفَا لِأَنَّهُ كَانَ أَقْرَبَ الْأَبْوَابِ إلَى الصَّفَا إلَّا أَنَّهُ سُنَّةٌ.
قَالَ: (ثُمَّ يَنْحَطُّ نَحْوَ الْمَرْوَةِ وَيَمْشِي عَلَى هِينَتِهِ فَإِذَا بَلَغَ بَطْنَ الْوَادِي يَسْعَى بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ سَعْيًا، ثُمَّ يَمْشِي عَلَى هِينَتِهِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَرْوَةَ فَيَصْعَدَ عَلَيْهَا وَيَفْعَلَ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَزَلَ مِنْ الصَّفَا وَجَعَلَ يَمْشِي نَحْوَ الْمَرْوَةِ وَسَعَى فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى إذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي مَشَى حَتَّى صَعِدَ الْمَرْوَةَ وَطَافَ بَيْنَهُمَا سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ».
قَالَ: (وَهَذَا شَوْطٌ وَاحِدٌ فَيَطُوفُ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ وَيَسْعَى فِي بَطْنِ الْوَادِي فِي كُلِّ شَوْطٍ) لِمَا رَوَيْنَا، وَإِنَّمَا يَبْدَأُ بِالصَّفَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيهِ «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ» ثُمَّ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: إنَّهُ رُكْنٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ عَلَيْكُم السَّعْيَ فَاسْعَوْا».
وَلَنَا قَوْله تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} وَمِثْلُهُ يُسْتَعْمَلُ لِلْإِبَاحَةِ فَيَنْفِي الرُّكْنِيَّةَ وَالْإِيجَابَ إلَّا أَنَّا عَدَلْنَا عَنْهُ فِي الْإِيجَابِ وَلِأَنَّ الرُّكْنِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ وَلَمْ يُوجَدْ، ثُمَّ مَعْنَى مَا رُوِيَ كُتِبَ اسْتِحْبَابًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ} الْآيَةَ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَعِدَ الصَّفَا حَتَّى إذَا نَظَرَ إلَى الْبَيْتِ قَامَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو اللَّهَ».
قُلْت: تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ: «فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ»، الْحَدِيثَ.
قَوْلُهُ: وَالرَّفْعُ سُنَّةُ الدُّعَاءِ.
قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فِي الدُّعَاءِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنْ أَخِيهِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمَسْأَلَةُ أَنْ تَرْفَعَ يَدَيْك حَذْوَ مَنْكِبَيْك، وَنَحْوَهُمَا،وَالِاسْتِغْفَارُ أَنْ تُشِيرَ بِإِصْبَعٍ وَاحِدَةٍ، وَالِابْتِهَالُ أَنْ تَمُدَّ يَدَيْك جَمِيعًا»، انْتَهَى.
ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَهُ مَوْقُوفًا.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا دَعَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ مَسَحَ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ»، انْتَهَى.
وَهُوَ مَعْلُولٌ بِابْنِ لَهِيعَةَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةً الْقَعْنَبِيُّ ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيْمَنَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَلُوا اللَّهَ بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ، وَلَا تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِهَا، فَإِذَا فَرَغْتُمْ فَامْسَحُوا بِهَا وُجُوهَكُمْ»، قَالَ أَبُو دَاوُد: رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ كُلُّهَا وَاهِيَةٌ، وَهَذَا الطَّرِيقُ أَمْثَلُهَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا، انْتَهَى.
قُلْت: رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ سَوَاءً، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي الدُّعَاءِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ ثَنَا عَائِذُ بْنُ حَبِيبٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاةِ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الدُّعَاءِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ سَلْمَانَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «إنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ إلَيْهِ فَيَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَرْفَعْهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي الدَّعَوَاتِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى الْجُهَنِيِّ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ لَمْ يَحُطَّهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ. انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: حَمَّادُ بْنُ عِيسَى الْجُهَنِيِّ يَرْوِي الْمَقْلُوبَاتِ الَّتِي يُظَنُّ أَنَّهَا مَقْلُوبَةٌ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، انْتَهَى.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا قَوْلُ عَبْدِ الْحَقِّ، قَالَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ: صَحِيحٌ، فَلَيْسَ فِي النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ، بَلْ فِيهَا أَنَّهُ غَرِيبٌ، قَالَ: وَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ»، ذَكَرْت مِنْ ذَلِكَ نَحْوَ عِشْرِينَ حَدِيثًا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَخْرُجُ إلَى الصَّفَا مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ، إنَّمَا خَرَجَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ، وَهُوَ يُسَمَّى بَابَ الصَّفَا، لِأَنَّهُ كَانَ أَقْرَبَ الْأَبْوَابِ إلَى الصَّفَا، لَا أَنَّهُ سُنَّةٌ.
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.
فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، ثُمَّ صَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّفَا مِنْ الْبَابِ الَّذِي يُخْرَجُ مِنْهُ، فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ».
قَالَ شُعْبَةُ: وَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: سُنَّةٌ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ الْبَغَوِيّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ زُنْبُورٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى الصَّفَا مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ»، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْبَصْرِيُّ الْقَاضِي بِطَبَرِيَّةَ ثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ ثَنَا أَبِي ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَعْنٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَابِ الصَّفَا، فَارْتَقَى الصَّفَا، فَقَالَ: نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، ثُمَّ قَرَأَ {إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} الْآيَةَ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: لَمْ نَكْتُبْهُ إلَّا عَنْ الشَّيْخِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ النَّقَّاشُ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَحْمُودٍ النَّيْسَابُورِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُتْبَةَ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْحِيُّ ثَنَا سُهَيْلٌ أَبُو عَمْرٍو ثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ بَابِ الصَّفَا وَهُوَ يَقُولُ: نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ»، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَذَا قَالَ، وَالصَّوَابُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: «ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْبَابِ إلَى الصَّفَا»، وَلَيْسَ فِيهِ الْمَقْصُودُ.
حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلٌ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَرَجَ إلَى الصَّفَا مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْأَزْرَقِيُّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ.
الْحَدِيثُ الثَّلَاثُونَ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَزَلَ مِنْ الصَّفَا وَجَعَلَ يَمْشِي نَحْوَ الْمَرْوَةِ، وَسَعَى فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى إذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، مَشَى حَتَّى صَعِدَ الْمَرْوَةَ، فَطَافَ بَيْنَهُمَا سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ».
قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: «ثُمَّ نَزَلَ إلَى الْمَرْوَةِ، حَتَّى إذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي رَمَلَ، حَتَّى إذَا صَعِدَ مَشَى، حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إذَا كَانَ آخِرُ الطَّوَافِ عَلَى الْمَرْوَةِ»، الْحَدِيثَ، وَأَخْرَجَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ خَبَّ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، وَكَانَ يَسْعَى بِبَطْنِ الْمَسِيلِ إذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ»، انْتَهَى.
وَالْحَدِيثَانِ لَيْسَ فِيهِمَا ذِكْرُ الْأَشْوَاطِ، وَهِيَ فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «قَدِمَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا»، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: «ثُمَّ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ»، وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. انْتَهَى.
وَأَخْرَجَا عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ: «قَدْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا»، مُخْتَصَرٌ.
وَرَوَى أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ حَدَّثَنِي جَدِّي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «السُّنَّةُ فِي الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَنْزِلَ مِنْ الصَّفَا، ثُمَّ يَمْشِيَ حَتَّى يَأْتِيَ بَطْنَ الْمَسِيلِ، فَإِذَا جَاءَهُ سَعَى حَتَّى يَظْهَرَ مِنْهُ، ثُمَّ يَمْشِيَ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَرْوَةَ»، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ».
قُلْت: اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَرَدَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ، وَهِيَ: أَبْدَأُ، كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، أَوْ: نَبْدَأُ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ، وَالثَّانِي بِصِيغَةِ الْأَمْرِ، فَهِيَ ابْدَءُوا، وَهَذَا هُوَ حَدِيثُ الْكِتَابِ، وَهُوَ عِنْدَ النَّسَائِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنِهِمَا وَإِنَّمَا ذَكَرْت ذَلِكَ لِأَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ عَزَا لَفْظَ الْأَمْرِ لِمُسْلِمٍ، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ هَذَا مِنْ الْمُحَدِّثِ لِأَنَّ الْمُحَدِّثَ إنَّمَا يَنْظُرُ فِي الْإِسْنَادِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَلَا يُحْتَمَلُ ذَلِكَ مِنْ الْفَقِيهِ، لِأَنَّ وَظِيفَتَهُ اسْتِنْبَاطُ الْأَحْكَامِ مِنْ الْأَلْفَاظِ، فَالْمُحَدِّثُ إذَا قَالَ: أَخْرَجَهُ فُلَانٌ، فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَصْلَ الْحَدِيثِ لَا بِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ بِعَيْنِهَا، وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ أَصْحَابُ الْأَطْرَافِ عَلَى ذِكْرِ طَرَفِ الْحَدِيثِ، فَعَلَى الْفَقِيهِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَحْتَجَّ بِحَدِيثٍ عَلَى حُكْمٍ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ اللَّفْظَةُ الَّتِي تُعْطِيهِ مَوْجُودَةً فِيهِ، حَتَّى إنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ احْتَجَّ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ: أَعْنِي قَوْلَهُ: «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ، وَقَدْ بَسَطَ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْإِلْمَامِ، وَلَمْ يُحْسِنْ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ إذْ أَهْمَلَ ذِكْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، مُعْتَمِدًا عَلَى مَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، فَإِنَّهُ خِلَافُهُ، وَلَكِنَّهُ قَلَّدَ غَيْرَهُ، فَأَهْمَلَاهُ، وَقَالَ فِي الْإِمَامِ: الْحَدِيثُ وَاحِدٌ، وَمَخْرَجُهُ وَاحِدٌ، وَلَكِنَّهُ اخْتَلَفَ اللَّفْظُ، وَقَدْ يُؤْخَذُ الْوُجُوبُ بِلَفْظِ الْخَبَرِ أَيْضًا مَعَ ضَمِيمَةِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيَقُولُ لَنَا: خُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنَى لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ»، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ فَاسْعَوْا».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تُجْزَأَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ تَمْلِكَ الْعَبْدَرِيَّةِ، وَمِنْ حَدِيثِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ.
فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ الْأَزْدِيُّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ الْمُفَضَّلِ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّمَلِ، فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ فَاسْعَوْا»، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تُجْزَأَةَ: فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ بِابْنِ الْمُؤَمَّلِ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ أَحْمَدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ، وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا، قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ الْعَابِدِي عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَيْصِنٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تُجْزَأَةَ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، قَالَتْ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَالنَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ وَرَاءَهُمْ، وَهُوَ يَسْعَى، حَتَّى أَرَى رُكْبَتَيْهِ مِنْ شِدَّةِ السَّعْيِ، وَهُوَ يَقُولُ: اسْعَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ أَيْضًا فِي الْفَضَائِلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُبَيْهٍ عَنْ جَدَّتِهِ صَفِيَّةَ عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تُجْزَأَةَ بِنَحْوِهِ، وَسَكَتَ عَنْهُ أَيْضًا، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تُجْزَأَةَ، فَذَكَرَهُ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَخْطَأَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، أَوْ شَيْخُهُ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْهُ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَعَلَ مَوْضِعَ ابْنِ مُحَيْصِنٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي حُسَيْنٍ، وَالْآخَرُ: أَنَّهُ أَسْقَطَ صَفِيَّةَ بِنْتَ شَيْبَةَ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَعِنْدِي أَنَّ الْوَهْمَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ، فَإِنَّ ابْنَ أَبِي شَيْبَةَ إمَامٌ كَبِيرٌ، وَشَيْخُهُ مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ثِقَةٌ، وَابْنُ الْمُؤَمَّلِ سَيِّئُ الْحِفْظِ، وَقَدْ اضْطَرَبَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اضْطِرَابًا كَثِيرًا، فَأَسْقَطَ عَطَاءً مَرَّةً، وَابْنَ مُحَيْصِنٍ أُخْرَى، وَصْفِيَّةَ بِنْتَ شَيْبَةَ أُخْرَى، وَأَبْدَلَ ابْنَ مُحَيْصِنٍ، بِابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ أُخْرَى، وَجَعَلَ الْمَرْأَةَ عَبْدَرِيَّةً تَارَةً، وَيَمَنِيَّةً أُخْرَى، وَفِي الطَّوَافِ تَارَةً، وَفِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أُخْرَى، وَكُلُّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى سُوءِ حِفْظِهِ، وَقِلَّةِ ضَبْطِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنِي مَعْرُوفُ بْنُ مُشْكَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ صَفِيَّةَ، قَالَتْ: أَخْبَرَنِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ اللَّاتِي أَدْرَكْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَ: «دَخَلْنَا دَارَ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، فَرَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ، إلَى آخِرِهِ»، قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَمَعْرُوفُ بْنُ مُشْكَانَ بَانِي كَعْبَةِ الرَّحْمَنِ، صَدُوقٌ لَا نَعْلَمُ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ، وَمَنْصُورٌ هَذَا ثِقَةٌ، مُخْرَجٌ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ تَمْلِكَ الْعَبْدَرِيَّةِ: فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ مِهْرَانَ بْنِ أَبِي عُمَرَ ثَنَا سُفْيَانُ ثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ تَمْلِكَ الْعَبْدَرِيَّةِ، قَالَتْ: «نَظَرْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي غُرْفَةٍ لِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَهُوَ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ فَاسْعَوْا»، انْتَهَى.
تَفَرَّدَ بِهِ مِهْرَانُ بْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: فِي حَدِيثِهِ اضْطِرَابٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدٍ الْحَضْرَمِيِّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ الْأَوْدِيُّ ثَنَا حُمَيْدٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، قَالَتْ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ»، انْتَهَى.
وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اضْطِرَابًا كَثِيرًا، ثُمَّ قَالَ: وَالصَّحِيحُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَيْصِنٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تُجْزَأَةَ، وَهُوَ الصَّوَابُ. انْتَهَى.
وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخ، الْوَجْهُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحَاتِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ مُقَارِنٌ فِعْلَهُ، وَالْآخَرُ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ لَا غَيْرُ، فَيَكُونُ الْأَوَّلُ أَوْلَى بِالتَّرْجِيحِ، نَحْوُ مَا رَوَتْهُ حَبِيبَةُ بِنْتُ أَبِي تَجْرَاةَ، قَالَتْ: «رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ يَسْعَى، وَهُوَ يَقُولُ: اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ»، فَهُوَ أَوْلَى مِنْ حَدِيثِ: «الْحَجُّ عَرَفَةَ»، لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ قَوْلٍ، وَالْأَوَّلُ قَوْلٌ وَفِعْلٌ، وَفِيهِ أَيْضًا إخْبَارُهُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ أَوْجَبَهُ عَلَيْنَا، فَكَانَ أَوْلَى،انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ عَنْ بَرَّةَ بِنْتِ أَبِي تَجْرَاةَ، قَالَتْ: «لَمَّا انْتَهَى النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلَى السَّعْيِ، قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ، فَاسْعَوْا، قَالَتْ: فَسَعَى حَتَّى رَأَيْت إزَارَهُ انْكَشَفَ عَنْ فَخِذِهِ»، انْتَهَى.
قَالَ: (ثُمَّ يُقِيمُ بِمَكَّةَ حَرَامًا) لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ فَلَا يَتَحَلَّلُ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِأَفْعَالِهِ.
قَالَ: (وَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ كُلَّمَا بَدَا لَهُ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الصَّلَاةَ.
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ وَالصَّلَاةُ خَيْرٌ مَوْضُوعٌ» فَكَذَا الطَّوَافُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْعَى عَقِيبَ هَذِهِ إلَّا طَوْفَةً فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ لِأَنَّ السَّعْيَ لَا يَجِبُ فِيهِ إلَّا مَرَّةً وَالتَّنَفُّلُ بِالسَّعْيِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَيُصَلِّي لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ وَهِيَ رَكْعَتَا الطَّوَافِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ».
قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، مِنْ حَدِيثِ فُضَيْلٍ بْنِ عِيَاضٍ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ، كِلَاهُمَا عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، إلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ فِيهِ النُّطْقَ، فَمَنْ نَطَقَ فِيهِ فَلَا يَنْطِقْ إلَّا بِخَيْرٍ»، انْتَهَى.
وَسَكَتَ الْحَاكِمُ عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ بِهِ، بِلَفْظِ «الطَّوَافُ حَوْلَ الْبَيْتِ، مِثْلُ الصَّلَاةِ»، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ، وَغَيْرُهُ عَنْ طَاوُسٍ مَوْقُوفًا، وَلَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ. انْتَهَى.
وَعَنْ الْحَاكِمِ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ بِسَنَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ قَدْ رَفَعَهُ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ عَنْهُ، وَرُوِيَ عَنْهُ مَوْقُوفًا، وَهُوَ أَصَحُّ. انْتَهَى.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: هَذَا الْحَدِيثُ رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا، أَمَّا الْمَرْفُوعُ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: رِوَايَةُ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، رَوَاهَا عَنْهُ جَرِيرٌ، وَفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، وَمُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، وَسُفْيَانُ، أَخْرَجَهَا كُلَّهَا الْبَيْهَقِيُّ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: رِوَايَةُ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، رَوَاهَا عَنْهُ مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، أَخْرَجَهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: رِوَايَةُ الْبَاغَنْدِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا، فَأَمَّا طَرِيقُ عَطَاءٍ، فَإِنَّ عَطَاءً مِنْ الثِّقَاتِ، لَكِنَّهُ اخْتَلَطَ بِآخِرِهِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: مَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَدِيمًا فَهُوَ صَحِيحٌ، وَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ حَدِيثًا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَجَمِيعُ مَنْ رَوَى عَنْهُ رَوَى عَنْهُ فِي الِاخْتِلَاطِ، إلَّا شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ، وَمَا سَمِعَ مِنْهُ جَرِيرٌ وَغَيْرُهُ، فَلَيْسَ مِنْ صَحِيحِ حَدِيثِهِ، وَأَمَّا طَرِيقُ لَيْثٍ فَلَيْثٌ رَجُلٌ صَالِحٌ صَدُوقٌ يُسْتَضْعَفُ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ ضَعِيفٌ، مِثْلُ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الْمُتَابَعَاتِ، وَقَدْ يُقَالُ: لَعَلَّ اجْتِمَاعَهُ مَعَ عَطَاءٍ يُقَوِّي رَفْعَ الْحَدِيثِ، وَأَمَّا طَرِيقُ الْبَاغَنْدِيِّ، فَإِنَّ الْبَيْهَقِيَّ لَمَّا ذَكَرَهَا قَالَ: وَلَمْ يَصْنَعْ الْبَاغَنْدِيُّ شَيْئًا فِي رَفْعِهِ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ، فَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَأَبُو عَوَانَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ مَوْقُوفًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ ثَابِتٍ الْجَحْدَرِيُّ ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَنْظَلَةَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، لَا أَعْلَمُهُ إلَّا عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «الطَّوَافُ صَلَاةٌ، فَأَقِلُّوا فِيهِ الْكَلَامَ»، انْتَهَى.
قَالَ: (فَإِذَا كَانَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ خَطَبَ الْإِمَامُ خُطْبَةً يُعَلِّمُ فِيهَا النَّاسَ الْخُرُوجَ إلَى مِنًى وَالصَّلَاةَ بِعَرَفَاتٍ وَالْوُقُوفَ وَالْإِفَاضَةَ)، وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْحَجِّ ثَلَاثَ خُطَبٍ، أَوَّلُهَا مَا ذَكَرْنَا، وَالثَّانِيَةُ: بِعَرَفَاتٍ يَوْمَ عَرَفَةَ.
وَالثَّالِثَةُ: بِمِنًى فِي الْيَوْمِ الْحَادِيَ عَشَرَ فَيَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ خُطْبَتَيْنِ بِيَوْمٍ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَخْطُبُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ، أَوَّلُهَا يَوْمُ التَّرْوِيَةِ لِأَنَّهَا أَيَّامُ الْمَوْسِمِ وَمُجْتَمَعُ الْحَاجِّ.
وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا التَّعْلِيمُ وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمُ النَّحْرِ يَوْمَا اشْتِغَالٍ فَكَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنْفَعَ وَفِي الْقُلُوبِ أَنْجَعَ (فَإِذَا صَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمَكَّةَ خَرَجَ إلَى مِنًى فَيُقِيمُ بِهَا حَتَّى يُصَلِّيَ الْفَجْرَ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا طَلَعَتْ الشَّمْسُ رَاحَ إلَى مِنًى فَصَلَّى بِمِنًى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ رَاحَ إلَى عَرَفَاتٍ» (وَلَوْ بَاتَ بِمَكَّةَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ وَصَلَّى بِهَا الْفَجْرَ، ثُمَّ غَدَا إلَى عَرَفَاتٍ وَمَرَّ بِمِنًى أَجْزَأَهُ) لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِمِنًى فِي هَذَا الْيَوْمِ إقَامَةُ نُسُكٍ وَلَكِنَّهُ أَسَاءَ بِتَرْكِهِ الِاقْتِدَاءَ بِرَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا طَلَعَتْ الشَّمْسُ رَاحَ إلَى مِنًى، فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ، وَالْفَجْرَ، ثُمَّ رَاحَ إلَى عَرَفَاتٍ».
قُلْت: تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: «فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إلَى مِنًى، فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِمِنًى الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ، وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، إلَى أَنْ قَالَ: فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ»، الْحَدِيثَ.
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ، وَالْفَجْرَ، ثُمَّ غَدَا إلَى عَرَفَاتٍ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ تَكَلَّمُوا فِيهِ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَهُ.
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، قَالَ: قُلْت لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَخْبِرْنِي عَنْ شَيْءٍ عَقَلْته عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟ قَالَ: بِمِنًى.
قُلْت: فَأَيْنَ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قَالَ: بِالْأَبْطَحِ، انْتَهَى.
قَالَ: (ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى عَرَفَاتٍ فَيُقِيمُ بِهَا) لِمَا رَوَيْنَا وَهَذَا بَيَانُ الْأَوْلَوِيَّةِ، أَمَّا لَوْ دَفَعَ قَبْلَهُ جَازَ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَقَامِ حُكْمٌ.
قَالَ فِي الْأَصْلِ وَيَنْزِلُ بِهَا مَعَ النَّاسِ لِأَنَّ الِانْتِبَاذَ تَجَبُّرٌ وَالْحَالُ حَالُ تَضَرُّعٍ وَالْإِجَابَةُ فِي الْجَمْعِ أَرْجَى، وَقِيلَ مُرَادُهُ أَنْ لَا يَنْزِلَ عَلَى الطَّرِيقِ كَيْ لَا يُضَيِّقَ عَلَى الْمَارَّةِ.
قَالَ: (وَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ يُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَيَبْتَدِئُ بِالْخُطْبَةِ فَيَخْطُبُ خُطْبَةً يُعَلِّمُ فِيهَا النَّاسَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَرَمْيَ الْجِمَارِ وَالنَّحْرَ وَالْحَلْقَ وَطَوَافَ الزِّيَارَةِ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجَلْسَةٍ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ) هَكَذَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا خُطْبَةُ وَعْظٍ وَتَذْكِيرٍ فَأَشْبَهَ خُطْبَةَ الْعِيدِ.
وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا تَعْلِيمُ الْمَنَاسِكِ وَالْجَمْعَ مِنْهَا، وَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ إذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ فَجَلَسَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ يُؤَذِّنُ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ.
وَعَنْهُ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ بَعْدَ الْخُطْبَةِ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَا، لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا خَرَجَ وَاسْتَوَى عَلَى نَاقَتِهِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيُقِيمُ الْمُؤَذِّنُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَةِ لِأَنَّهُ أَوَانُ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فَأَشْبَهَ الْجُمُعَةَ.
قَالَ: (وَيُصَلِّي بِهِمْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ) وَقَدْ وَرَدَ النَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وَفِيمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ، ثُمَّ بَيَانُهُ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ لِلظُّهْرِ وَيُقِيمُ لِلظُّهْرِ، ثُمَّ يُقِيمُ لِلْعَصْرِ لِأَنَّ الْعَصْرَ يُؤَدَّى قَبْلَ وَقْتِهِ الْمَعْهُودِ فَيُفْرَدُ بِالْإِقَامَةِ إعْلَامًا لِلنَّاسِ (وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ) تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الْوُقُوفِ، وَلِهَذَا قَدَّمَ الْعَصْرَ عَلَى وَقْتِهِ فَلَوْ أَنَّهُ فَعَلَ مَكْرُوهًا وَأَعَادَ الْأَذَانَ لِلْعَصْرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالتَّطَوُّعِ أَوْ بِعَمَلٍ آخَرَ يَقْطَعُ فَوْرَ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ فَيُعِيدُهُ لِلْعَصْرِ (فَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِ خُطْبَةٍ أَجْزَأَهُ) لِأَنَّ هَذِهِ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ.
قَالَ: (وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي رَحْلِهِ وَحْدَهُ صَلَّى الْعَصْرَ فِي وَقْتِهِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَالَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا الْمُنْفَرِدُ، لِأَنَّ جَوَازَ الْجَمْعِ لِلْحَاجَةِ إلَى امْتِدَادِ الْوُقُوفِ، وَالْمُنْفَرِدُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الْوَقْتِ فَرْضٌ بِالنُّصُوصِ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ إلَّا فِيمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ وَهُوَ الْجَمْعُ بِالْجَمَاعَةِ مَعَ الْإِمَامِ وَالتَّقْدِيمُ لِصِيَانَةِ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُ يَعْسُرُ عَلَيْهِمْ الِاجْتِمَاعُ لِلْعَصْرِ بَعْدَ مَا تَفَرَّقُوا فِي الْمَوْقِفِ لَا لِمَا ذَكَرَاهُ إذْ لَا مُنَافَاةَ، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْإِمَامُ شَرْطٌ فِي الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِي الْعَصْرِ خَاصَّةً لِأَنَّهُ هُوَ الْمُغَيِّرُ عَنْ وَقْتِهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ التَّقْدِيمَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ عُرِفَتْ شَرْعِيَّتُهُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْعَصْرُ مُرَتَّبَةً عَلَى ظُهْرٍ مُؤَدًّى بِالْجَمَاعَةِ مَعَ الْإِمَامِ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْلَ الزَّوَالِ فِي رِوَايَةٍ تَقْدِيمًا لِلْإِحْرَامِ عَلَى وَقْتِ الْجَمْعِ، وَفِي أُخْرَى يَكْتَفِي بِالتَّقْدِيمِ عَلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الصَّلَاةُ.
قَالَ: (ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى الْمَوْقِفِ فَيَقِفُ بِقُرْبِ الْجَبَلِ وَالْقَوْمُ مَعَهُ عَقِيبَ انْصِرَافِهِمْ مِنْ الصَّلَاةِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَاحَ إلَى الْمَوْقِفِ عَقِيبَ الصَّلَاةِ وَالْجَبَلُ يُسَمَّى جَبَلَ الرَّحْمَةِ وَالْمَوْقِفُ الْمَوْقِفَ الْأَعْظَمَ.
قَالَ: (وَعَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «عَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ، وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ وَادِي مُحَسِّرٍ».
قَالَ: (وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقَفَ عَلَى نَاقَتِهِ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى قَدَمَيْهِ جَازَ) وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ لِمَا بَيَّنَّا (وَيَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَفَ كَذَلِكَ، وَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ «خَيْرُ الْمَوَاقِفِ مَا اسْتَقْبَلْت بِهِ الْقِبْلَةَ».
(وَيَدْعُو وَيُعَلِّمُ النَّاسَ الْمَنَاسِكَ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَدْعُو يَوْمَ عَرَفَةَ مَادًّا يَدَيْهِ كَالْمُسْتَطْعِمِ الْمِسْكِينِ».
(وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ) وَإِنْ وَرَدَ الْآثَارُ بِبَعْضِ الدَّعَوَاتِ، وَقَدْ أَوْرَدْنَا تَفْصِيلَهَا فِي كِتَابِنَا الْمُتَرْجَمِ بِعُدَّةِ النَّاسِكِ فِي عِدَّةٍ مِنْ الْمَنَاسِكِ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى.
قَالَ: (وَيَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَقِفُوا بِقُرْبِ الْإِمَامِ) لِأَنَّهُ يَدْعُو وَيُعَلِّمُ فَيَعُوا وَيَسْمَعُوا (وَيَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ وَرَاءَ الْإِمَامِ) لِيَكُونَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَهَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِيَّةِ لِأَنَّ عَرَفَاتٍ كُلَّهَا مَوْقِفٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
قَالَ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَيَجْتَهِدَ فِي الدُّعَاءِ) أَمَّا الِاغْتِسَالُ فَهُوَ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَلَوْ اكْتَفَى بِالْوُضُوءِ جَازَ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَعِنْدَ الْإِحْرَامِ، وَأَمَّا الِاجْتِهَادُ فَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اجْتَهَدَ فِي الدُّعَاءِ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ لِأُمَّتِهِ فَاسْتُجِيبَ لَهُ إلَّا فِي الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ.
(وَيُلَبِّي فِي مَوْقِفِهِ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ).
وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ كَمَا يَقِفُ بِعَرَفَةَ لِأَنَّ الْإِجَابَةَ بِاللِّسَانِ قَبْلَ الِاشْتِغَالِ بِالْأَرْكَانِ.
وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا زَالَ يُلَبِّي حَتَّى أَتَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» وَلِأَنَّ التَّلْبِيَةَ فِيهِ كَالتَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ فَيَأْتِي بِهَا إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْإِحْرَامِ.
قَالَ: (وَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ أَفَاضَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ مَعَهُ عَلَى هِينَتِهِمْ حَتَّى يَأْتُوا الْمُزْدَلِفَةَ) لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ دَفَعَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَلِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ مُخَالَفَةِ الْمُشْرِكِينَ.
وَكَانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَمْشِي عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي الطَّرِيقِ عَلَى هِينَتِهِ، فَإِنْ خَافَ الزِّحَامَ فَدَفَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ وَلَمْ يُجَاوِزْ حُدُودَ عَرَفَةَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْضِ مِنْ عَرَفَةَ.
وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقِفَ فِي مَقَامِهِ كَيْ لَا يَكُونَ آخِذًا فِي الْأَدَاءِ قَبْلَ وَقْتِهَا.
(فَلَوْ مَكَثَ قَلِيلًا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَإِفَاضَةِ الْإِمَامِ لِخَوْفِ الزِّحَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بَعْدَ إفَاضَةِ الْإِمَامِ دَعَتْ بِشَرَابٍ فَأَفْطَرَتْ ثُمَّ أَفَاضَتْ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ: وَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ يُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَيَبْدَأُ فَيَخْطُبُ خُطْبَةً يَعْنِي قَبْلَ الصَّلَاةِ ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْت: تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَطَبَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَلَفْظُهُ: «فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إذَا زَاعَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ، وَقَالَ: إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ رَافِعًا يَدَيْهِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ»، الْحَدِيثَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «مِنْ سُنَّةِ الْحَجِّ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ، وَالصُّبْحَ بِمِنًى، ثُمَّ يَغْدُوَ إلَى عَرَفَةَ حَتَّى إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ خَطَبَ النَّاسَ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ، ثُمَّ يُفِيضَ فَيُصَلِّيَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، أَوْ حَيْثُ قَضَى اللَّهُ، ثُمَّ يَقِفَ بِجَمْعٍ، حَتَّى إذَا أَسْفَرَ دَفَعَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَإِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ، حَتَّى يَزُورَ الْبَيْتَ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. انْتَهَى.
حَدِيثٌ لِمَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: «يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاة»، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ، ثُمَّ رَاحَ فَوَقَفَ عَلَى الْمَوْقِفِ مِنْ عَرَفَةَ»، انْتَهَى.
قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ»، وَهُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي عَمِلَ بِهِ الْأَئِمَّةُ وَالْمُسْلِمُونَ، وَأَعَلَّهُ هُوَ، وَابْنُ الْقَطَّانِ بَعْدَهُ بِابْنِ إِسْحَاقَ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا خَرَجَ وَاسْتَوَى عَلَى نَاقَتِهِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بَيْنَ يَدَيْهِ».
قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ وَرَدَ النَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ يَعْنِي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ قَالَ: وَفِيمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَّاهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ.
قُلْت: تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ: «فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ أَذَّنَ، فَأَقَامَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا».
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَاحَ إلَى الْمَوْقِفِ عَقِيبَ الصَّلَاةِ.
قُلْت: هُوَ أَيْضًا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، ثُمَّ أَذَّنَ، وَأَقَامَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَتَى الْمَوْقِفَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا لِأَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ، ثُمَّ رَاحَ فَوَقَفَ عَلَى الْمَوْقِفِ مِنْ عَرَفَةَ»، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ، وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَارْتَفِعُوا عَنْ وَادِي مُحَسِّرٍ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
فَحَدِيثُ جَابِرٍ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ، وَكُلُّ الْمُزْدَلِفَةِ مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ، وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ إلَّا مَا وَرَاءَ الْعَقَبَةِ»، انْتَهَى.
وَالْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ مَتْرُوكٌ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: كَانَ أَحْمَدُ يَرْمِيهِ بِالْكَذِبِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: فَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «كُلُّ عَرَفَاتٍ مَوْقِفٌ، وَارْفَعُوا عَنْ عُرَنَةَ، وَكُلُّ مُزْدَلِفَةَ مَوْقِفٌ، وَارْفَعُوا عَنْ مُحَسِّرٍ، وَكُلُّ فِجَاجِ مِنًى مَنْحَرٌ، وَكُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ»، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: هَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى الْأَشْدَقَ لَمْ يُدْرِكْ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ، انْتَهَى.
قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ: عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، فَذَكَرَهُ.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّنُوخِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ بِهِ، بِلَفْظِ أَحْمَدَ سَوَاءً، قَالَ الْبَزَّارُ: وَرَوَاهُ سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَالَ فِيهِ: عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، هُوَ رَجُلٌ لَيْسَ بِالْحَافِظِ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ إذَا انْفَرَدَ بِحَدِيثٍ، وَحَدِيثُ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ هُوَ الصَّوَابُ، مَعَ أَنَّ ابْنَ أَبِي حُسَيْنٍ لَمْ يَلْقَ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ لِأَنَّا لَا نَحْفَظُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي كُلِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ، إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَكَذَلِكَ ذَكَرْنَاهُ، وَبَيَّنَّا الْعِلَّةَ فِيهِ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ الرَّقِّيِّ ثَنَا زُهَيْرُ بْنُ عَبَّادٍ الرُّؤَاسِيُّ ثَنَا سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ بِنَحْوِهِ، لَيْسَ فِيهِ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَرَوَاهُ أَيْضًا فِي كِتَابِ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غَيْلَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ مَرْفُوعًا كَذَلِكَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مَالِكٍ الْأَصْبَهَانِيُّ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مِسْمَارٍ ثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُلَيْكِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ، وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَيُرَاجَعُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنَيْ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَا يَرْوِيه بِهَذَا الْإِسْنَادِ إلَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ، ثُمَّ أَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ النَّوْفَلِيِّ عَنْ دَاوُد بْنِ فَرَاهِيجَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، نَحْوَهُ سَوَاءً، وَأَعَلَّهُ بِيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَقَالَ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَنُقِلَ عَنْ النَّسَائِيّ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَفَ عَلَى نَاقَتِهِ.
قُلْت: تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: «ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَذَهَبَ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا، حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ، وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، حَتَّى إنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، كُلَّمَا أَتَى حَبَلًا مِنْ الْجِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا، حَتَّى تَصْعَدَ، ثُمَّ أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ»، الْحَدِيثَ.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي الصَّوْمِ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ «أَنَّ نَاسًا اخْتَلَفُوا عِنْدَهَا فِي صَوْمِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِصَائِمٍ، فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ، وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ بِعَرَفَةَ فَشَرِبَهُ»، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَفَ عَلَى نَاقَتِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ».
قُلْت: هُوَ أَيْضًا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، كَمَا تَقَدَّمَ قَبْلَهُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «خَيْرُ الْمَوَاقِفِ مَا اسْتَقْبَلْت بِهِ الْقِبْلَةَ».
قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ عَنْ أَبِي الْمِقْدَامِ هِشَامِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «إنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شَرَفًا، وَإِنَّ شَرَفَ الْمَجَالِسِ مَا اُسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةَ، وَإِنَّمَا الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَةِ، وَلَا تُصَلُّوا خَلْفَ النَّائِمِ وَلَا الْمُتَحَدِّثِ، وَاقْتُلُوا الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا تَسْتُرُوا الْجُدُرَ بِالثِّيَابِ، وَمَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ أَخِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَكَأَنَّمَا يَنْظُرُ فِي النَّارِ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَكْرَمَ النَّاسِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى النَّاسِ فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَغْنَى النَّاسِ فَلْيَكُنْ بِمَا فِي يَدِ اللَّهِ أَوْثَقَ مِنْهُ بِمَا فِي يَدِهِ، أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَنْ نَزَلَ وَحْدَهُ، وَمَنَعَ رِفْدَهُ، وَجَلَدَ عَبْدَهُ، قَالَ: أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَنْ يَبْغُضُ النَّاسَ أَوْ يَبْغُضُونَهُ، قَالَ: أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: مَنْ لَمْ يُقِلْ عَثْرَةً، وَلَمْ يَقْبَلْ مَعْذِرَةً، وَلَمْ يَغْفِرْ ذَنْبًا، قَالَ: أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: مَنْ لَا يُرْجَى خَيْرُهُ، وَلَا يُؤْمَنُ شَرُّهُ، إنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَامَ فِي قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا بَنِي إسْرَائِيلَ لَا تَتَكَلَّمُوا بِالْحِكْمَةِ عِنْدَ الْجَاهِلِ فَتَظْلِمُوهَا، وَلَا تَمْنَعُوهَا أَهْلَهَا فَتَظْلِمُوهُمْ، وَلَا تَظْلِمُوا، وَلَا تُكَافِئُوا ظَالِمًا بِظُلْمٍ، فَيَبْطُلُ فَضْلُكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ، يَا بَنِي إسْرَائِيلَ الْأَمْرُ ثَلَاثَةٌ: أَمْرٌ بَيِّنٌ رُشْدُهُ فَاتَّبِعُوهُ، وَأَمْرٌ بَيِّنٌ غَيُّهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَأَمْرٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَكِلُوهُ إلَى عَالِمِهِ» انْتَهَى.
وَسَكَتَ الْحَاكِمُ عَنْهُ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، فَقَالَ: وَهِشَامُ بْنُ زِيَادٍ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى.
وَعَنْ الْحَاكِمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَهِشَامُ بْنُ زِيَادٍ تَكَلَّمُوا فِيهِ بِسَبَبِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَكَانَ يَقُولُ، أَوَّلًا: حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ ثَنَا أَبِي حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الضَّبِّيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَذَكَرَ بِنَحْوِهِ، بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابَيْهِمَا، وَأَعَلَّاهُ بِهِشَامِ بْنِ زِيَادٍ، وَأَسْنَدَ ابْنُ عَدِيٍّ تَضْعِيفَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ، وَقَالَ: إنَّ الضَّعْفَ عَلَى رِوَايَاتِهِ بَيِّنٌ، انْتَهَى.
قَالَ الْعُقَيْلِيُّ: لَيْسَ لِهَذَا الْحَدِيثِ طَرِيقٌ يَثْبُتُ، انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ طَاهِرٍ: هِشَامُ بْنُ زِيَادٍ مِمَّنْ أُجْمِعَ عَلَى ضَعْفِهِ، وَتَرْكِ حَدِيثِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ وَصَالِحٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَلَعَلَّهُ سَرَقَهُ مِنْ هِشَامٍ، فَإِنَّهُ بِهِ أَشْهَرُ، وَبِهِ يُعْرَفُ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ أَيْضًا عَنْ تَمَّامِ بْنِ بَزِيعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ بِهِ، وَضَعَّفَ تَمَّامًا عَنْ جَمَاعَةٍ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ بِهِ، وَأَسْنَدَ عَنْ الْبُخَارِيِّ: قَالَ فِي عِيسَى هَذَا: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ النَّصِيبِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكْرَمُ الْمَجَالِسِ مَا اُسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ»، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِحَمْزَةَ النَّصِيبِيِّ، وَقَالَ: إنَّهُ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي تَارِيخِ أَصْبَهَانَ فِي بَابِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «خَيْرُ الْمَجَالِسِ مَا اُسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ».
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو يَوْمَ عَرَفَةَ مَادًّا يَدَيْهِ، كَالْمُسْتَطْعِمِ الْمِسْكِينِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «رَأَيْته عَلَيْهِ السَّلَامُ يَدْعُو بِعَرَفَةَ يَدَاهُ إلَى صَدْرِهِ، كَالْمُسْتَطْعِمِ الْمِسْكِينِ»، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ حَدَّثَنَا عُبَادَةَ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْفَضْلِ، قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفًا بِعَرَفَةَ، مَادًّا يَدَيْهِ، كَالْمُسْتَطْعِمِ»، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا، قَالَ: وَلَا نَعْلَمُ لَهُ طَرِيقًا عَنْ الْفَضْلِ إلَّا هَذَا الطَّرِيقَ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَأَعَلَّهُ بِحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ الْمَدِينِيِّ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيُّ مَدِينِيٌّ، يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، يَرْوِي عَنْ عِكْرِمَةَ، وَعَنْهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَغَيْرُهُمَا، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، فَإِنِّي لَمْ أَجِدْ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا جَاوَزَ الْمِقْدَارَ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ، وَإِنْ وَرَدَ الْآثَارُ بِبَعْضِ الدَّعَوَاتِ، قُلْت.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اجْتَهَدَ فِي الدُّعَاءِ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ لِأُمَّتِهِ، فَاسْتُجِيبَ لَهُ، إلَّا فِي الدِّمَاءِ، وَالْمَظَالِمِ.
قُلْت: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ الْقَاهِرِ بْنِ السَّرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ عَنْ أَبِيهِ كِنَانَةَ عَنْ أَبِيهِ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ أَنَّ «النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَعَا لِأُمَّتِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِالْمَغْفِرَةِ، فَأُجِيبَ: إنِّي قَدْ غَفَرْت لَهُمْ، مَا خَلَا الْمَظَالِمَ، فَإِنِّي آخِذٌ لِلْمَظْلُومِ مِنْهُ، قَالَ: رَبِّ إنْ شِئْت أَعْطَيْت الْمَظْلُومَ الْجَنَّةَ، وَغَفَرْت لِلظَّالِمِ، فَلَمْ يُجِبْهُ عَشِيَّتَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَعَادَ الدُّعَاءَ، فَأُجِيبَ إلَى مَا سَأَلَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ: فَتَبَسَّمَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إنَّ هَذِهِ لَسَاعَةٌ مَا كُنْت تَضْحَكُ فِيهَا، فَمَا الَّذِي أَضْحَكَك، أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّك؟ قَالَ: إنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إبْلِيسَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ اسْتَجَابَ دُعَائِي، وَغَفَرَ لِأُمَّتِي أَخَذَ التُّرَابَ فَجَعَلَ يَحْثُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَيَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ، فَأَضْحَكَنِي مَا رَأَيْت مِنْ جَزَعِهِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِكِتَابِهِ، وَأَسْنَدَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كِنَانَةُ رَوَى عَنْ أَبِيهِ لَمْ يَصِحَّ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: كِنَانَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ أَسْلَمِيٌّ يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُهُ، مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا، فَلَا أَدْرِي التَّخْلِيطَ فِي حَدِيثِهِ مِنْهُ أَوْ مِنْ أَبِيهِ، وَمِنْ أَيِّهِمَا كَانَ، فَهُوَ سَاقِطُ الِاحْتِجَاجِ بِمَا رَوَى، وَذَلِكَ لِعِظَمِ مَا أَتَى مِنْ الْمَنَاكِيرِ عَنْ الْمَشَاهِيرِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ مِنْ طَرِيقِ الطَّبَرَانِيِّ ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الدِّيرِيِّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَمَّنْ سَمِعَ قَتَادَةَ يَقُولُ: ثَنَا خِلَاسُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ تَطَوَّلَ عَلَيْكُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ، فَغَفَرَ لَكُمْ، إلَّا التَّبَعَاتِ فِيمَا بَيْنَكُمْ، وَوَهَبَ مُسِيئَكُمْ لِمُحْسِنِكُمْ، وَأَعْطَى مُحْسِنَكُمْ مَا سَأَلَ، فَادْفَعُوا بِاسْمِ اللَّهِ، وَإِبْلِيسُ وَجُنُودُهُ عَلَى جِبَالِ عَرَفَاتٍ يَنْظُرُونَ مَا يَصْنَعُ اللَّهُ بِهِمْ، فَإِذَا نَزَلَتْ الْمَغْفِرَةُ دَعَا هُوَ وَجُنُودُهُ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ»، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، وَالرَّاوِي عَنْ قَتَادَةَ مَجْهُولٌ، وَخِلَاسٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ، قَالَ أَيُّوبُ: لَا تَرْوُوا عَنْهُ، فَإِنَّهُ صَحَفِيٌّ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا زَالَ يُلَبِّي حَتَّى أَتَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ «أَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» انْتَهَى.
وَزَادَ فِيهِ ابْنُ مَاجَهْ: «فَلَمَّا رَمَاهَا قَطَعَ التَّلْبِيَةَ».
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ».
قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، قَالَ: «وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ، فَقَالَ: هَذِهِ عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، ثُمَّ أَفَاضَ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ خَلْفَهُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَجَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ عَلَى هِينَتِهِ، وَالنَّاسُ يَضْرِبُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا، يَلْتَفِتُ إلَيْهِمْ، وَيَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ»، الْحَدِيثَ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، لَا نَعْرِفُهُ عَنْ عَلِيٍّ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: «فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ»، إلَى أَنْ قَالَ «وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ»، الْحَدِيثَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ثَنَا أَبِي عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٌ عَنْ أُسَامَةَ، قَالَ: «كُنْت رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا وَقَعَتْ الشَّمْسُ دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: هَذَا إسْنَادٌ حَسَنٌ، انْفَرَدَ بِهِ أَبُو دَاوُد. انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ وَالْأَوْثَانِ كَانُوا يَدْفَعُونَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ، كَأَنَّهَا عَمَائِمُ الرِّجَالِ عَلَى رُءُوسِهَا، وَإِنَّمَا نَدْفَعُ بَعْدَ أَنْ تَغِيبَ، وَكَانُوا يَدْفَعُونَ مِنْ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ مُنْبَسِطَةً»، انْتَهَى.
وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، قَالَ: فَقَدْ صَحَّ بِهَذَا سَمَاعُ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا كَمَا يَتَوَهَّمُهُ رَعَاعُ أَصْحَابِنَا أَنَّ لَهُ رُؤْيَةً بِلَا سَمَاعٍ، وَذَكَرَ أَحَادِيثَ أُخْرَى فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ جِهَتِهِ أَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: «خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا لَا يَدْفَعُونَ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى تَكُونَ الشَّمْسُ، كَأَنَّهَا عَمَائِمُ الرِّجَالِ فِي وُجُوهِهِمْ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَمِنْ الْمُزْدَلِفَةِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى تَكُونَ كَأَنَّهَا عَمَائِمُ الرِّجَالِ فِي وُجُوهِهِمْ، نَدْفَعُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، هَدْيُنَا مُخَالِفٌ لِهَدْيِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَالشِّرْكِ»، انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَهُوَ مُرْسَلٌ، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ تَابِعِيٌّ سَمِعَ عَائِشَةَ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَظُنُّ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ عَنْهُ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا، فَإِنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ رَوَى عَنْ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، وَذَكَرَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمُهَذَّبِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، انْتَهَى.
قُلْت: لَيْسَ مَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ سَهْوًا، فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ، وَعَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَقَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أُخْبِرْت عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَطَبَ بِعَرَفَةَ، فَذَكَرَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَزِيزٍ الْمَوْصِلِيُّ ثَنَا غَسَّانُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كَانَ الْمُشْرِكُونَ لَا يُفِيضُونَ مِنْ عَرَفَاتٍ حَتَّى تُعَمِّمَ الشَّمْسُ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ، فَتَصِيرَ فِي رُءُوسِهَا كَعَمَائِمِ الرِّجَالِ فِي وُجُوهِهِمْ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُفِيضُ حَتَّى تَغْرُبَ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ لَا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ حَتَّى يَقُولُونَ: أَشْرَقَ ثَبِيرٌ، فَلَا يُفِيضُونَ حَتَّى تَصِيرَ الشَّمْسُ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ كَعَمَائِمِ الرِّجَالِ فِي وُجُوهِهِمْ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُفِيضُ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ»، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَمْشِي عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي الطَّرِيقِ يَعْنِي طَرِيقَ الْمُزْدَلِفَةِ عَلَى هِينَتِهِ.
قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: «وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، حَتَّى رَأْسَهَا لِيُصِيبَ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَهُوَ يَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ، كُلَّمَا أَتَى جَبَلًا مِنْ الْجِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ، حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ»، الْحَدِيثَ.
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ، وَأُسَامَةُ رِدْفَهُ، قَالَ أُسَامَةُ: فَمَا زَالَ يَسِيرُ عَلَى هِينَتِهِ حَتَّى أَتَى جَمْعًا»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ وَكَانَ رَدِيفَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ «قَالَ فِي عَشِيَّةِ عَرَفَةَ، وَغَدَاةِ جَمْعٍ لِلنَّاسِ حِينَ دَفَعُوا: عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، وَهُوَ كَافٌّ نَاقَتَهُ، حَتَّى دَخَلَ مُحَسِّرًا، وَهُوَ مِنْ مِنًى، قَالَ: عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ الَّذِي تُرْمَى بِهِ الْجَمْرَةُ، وَقَالَ: لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ»، انْتَهَى.
وَتَقَدَّمَ لِأَبِي دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ، فَقَالَ: هَذِهِ عَرَفَةُ، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، ثُمَّ أَفَاضَ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَجَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ عَلَى هِينَتِهِ، وَالنَّاسُ يَضْرِبُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا، يَلْتَفِتُ إلَيْهِمْ، وَيَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ السَّكِينَةَ»، الْحَدِيثَ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
قَوْله: رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا دَعَتْ بِشَرَابٍ بَعْدَ إفَاضَةِ الْإِمَامِ فَأَفْطَرَتْ، ثُمَّ أَفَاضَتْ.
قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَدْعُو بِشَرَابٍ فَتُفْطِرُ، ثُمَّ تُفِيضُ. انْتَهَى.
قَالَ: (وَإِذَا أَتَى مُزْدَلِفَةَ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ بِقُرْبِ الْجَبَلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمِيقَدَةُ يُقَالُ لَهُ قُزَحُ) لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقَفَ عِنْدَ هَذَا الْجَبَلِ، وَكَذَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَيَتَحَرَّزُ فِي النُّزُولِ عَنْ الطَّرِيقِ كَيْ لَا يُضَرَّ بِالْمَارَّةِ، فَيَنْزِلُ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ وَرَاءَ الْإِمَامِ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ.
قَالَ: (وَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ).
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ اعْتِبَارًا بِالْجَمْعِ بِعَرَفَةَ.
وَلَنَا رِوَايَةُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ» وَلِأَنَّ الْعِشَاءَ فِي وَقْتِهِ فَلَا يُفْرِدُ بِالْإِقَامَةِ إعْلَامًا، بِخِلَافِ الْعَصْرِ بِعَرَفَةَ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى وَقْتِهِ فَأَفْرَدَ بِهَا لِزِيَادَةِ الْإِعْلَامِ.
(وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْجَمْعِ، وَلَوْ تَطَوَّعَ أَوْ تَشَاغَلَ بِشَيْءٍ أَعَادَ الْإِقَامَةَ لِوُقُوعِ الْفَصْلِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعِيدَ الْأَذَانَ كَمَا فِي الْجَمْعِ الْأَوَّلِ بِعَرَفَةَ إلَّا أَنَّا اكْتَفَيْنَا بِإِعَادَةِ الْإِقَامَةِ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى الْمَغْرِبَ بِمُزْدَلِفَةَ ثُمَّ تَعَشَّى، ثُمَّ أَفْرَدَ الْإِقَامَةَ لِلْعِشَاءِ»، (وَلَا تُشْتَرَطُ الْجَمَاعَةُ لِهَذَا الْجَمْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ) لِأَنَّ الْمَغْرِبَ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ وَقْتِهَا، بِخِلَافِ الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ لِأَنَّ الْعَصْرَ مُقَدَّمٌ عَلَى وَقْتِهِ.
قَالَ: (وَمَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الطَّرِيقِ لَمْ تُجْزِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ).
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُجْزِيهِ وَقَدْ أَسَاءَ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا صَلَّى بِعَرَفَاتٍ.
لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ أَدَّاهَا فِي وَقْتِهَا فَلَا تَجِبُ إعَادَتُهَا كَمَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، إلَّا أَنَّ التَّأْخِيرَ مِنْ السُّنَّةِ فَيَصِيرُ مُسِيئًا بِتَرْكِهِ.
وَلَهُمَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ لِأُسَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ الصَّلَاةُ أَمَامَك» مَعْنَاهُ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّأْخِيرَ وَاجِبٌ، وَإِنَّمَا وَجَبَ لِيُمْكِنَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَكَانَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ لِيَصِيرَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا، وَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَا يُمْكِنُهُ الْجَمْعُ فَسَقَطَتْ الْإِعَادَةُ.
قَالَ: (وَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ يُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الْفَجْرَ بِغَلَسٍ) لِرِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّاهَا يَوْمَئِذٍ بِغَلَسٍ» وَلِأَنَّ فِي التَّغْلِيسِ دَفْعَ حَاجَةِ الْوُقُوفِ فَيَجُوزُ كَتَقْدِيمِ الْعَصْرِ بِعَرَفَةَ.
(ثُمَّ وَقَفَ وَوَقَفَ مَعَهُ النَّاسُ وَدَعَا) لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقَفَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَدْعُو.
حَتَّى رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَاسْتُجِيبَ لَهُ دُعَاؤُهُ لِأُمَّتِهِ حَتَّى الدِّمَاءُ وَالْمَظَالِمُ، ثُمَّ هَذَا الْوُقُوفُ وَاجِبٌ عِنْدَنَا، وَلَيْسَ بِرُكْنٍ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ يَلْزَمُهُ الدَّمُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّهُ رُكْنٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} وَبِمِثْلِهِ تَثْبُتُ الرُّكْنِيَّةُ.
وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِاللَّيْلِ، وَلَوْ كَانَ رُكْنًا لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ، وَالْمَذْكُورُ فِيمَا تَلَا الذِّكْرُ وَهُوَ لَيْسَ بِرُكْنٍ بِالْإِجْمَاعِ.
وَإِنَّمَا عَرَفْنَا الْوُجُوبَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ وَقَفَ مَعَنَا هَذَا الْمَوْقِفَ وَقَدْ كَانَ أَفَاضَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ عَرَفَاتٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» عَلَّقَ بِهِ تَمَامَ الْحَجِّ، وَهَذَا يَصْلُحُ أَمَارَةً لِلْوُجُوبِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا تَرَكَهُ بِعُذْرٍ بِأَنْ يَكُونَ بِهِ ضَعْفٌ أَوْ عِلَّةٌ أَوْ كَانَتْ امْرَأَةً تَخَافُ الزِّحَامَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا رَوَيْنَا.
قَالَ: (وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا وَادِيَ مُحَسِّرٍ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ.
قَالَ: (فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَفَاضَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ مَعَهُ حَتَّى يَأْتُوا مِنًى).
قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَكَذَا وَقَعَ فِي نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ وَهَذَا غَلَطٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا أَسْفَرَ أَفَاضَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ دَفَعَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَفَ عِنْدَ هَذَا الْجَبَلِ يَعْنِي قُزَحَ وَكَذَا عُمَرُ.
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَاللَّفْظُ لِلتِّرْمِذِيِّ، قَالَ: «وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ، فَقَالَ هَذِهِ عَرَفَةُ، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ ثُمَّ أَفَاضَ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَجَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ عَلَى هِينَتِهِ، وَالنَّاسُ يَضْرِبُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا، يَلْتَفِتُ إلَيْهِمْ، وَيَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ السَّكِينَةَ، ثُمَّ أَتَى جَمْعًا، فَصَلَّى بِهِمْ الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى قُزَحَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ»، الْحَدِيثَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ حِينَ وَقَفَ مُخْتَصَرٌ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْهِلَالِيُّ ثَنَا يُونُسُ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «غَدَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَصْبَحَ بِجَمْعٍ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى قُزَحَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا الْمَوْقِفُ، وَكُلُّ الْمُزْدَلِفَةِ، وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ، ثُمَّ دَفَعَ حِينَ أَسْفَر»، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ عُمَرَ غَرِيبٌ.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ يَعْنِي بِالْمُزْدَلِفَةِ».
قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِجَمْعٍ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَةٍ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا»، انْتَهَى.
وَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ، فَإِنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: «ثُمَّ أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا»، الْحَدِيثَ.
وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «جَمَعَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِإِقَامَةٍ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا، وَلَا عَلَى إثْرِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا»، وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ مُخَالِفَانِ لِلْأَوَّلِ، وَلِمَا يَأْتِي بَعْدُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: «دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ فَتَوَضَّأَ، وَلَمْ يُسْبِغْ الْوُضُوءَ، قُلْت لَهُ: الصَّلَاةَ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ أَمَامَك، فَرَكِبَ، فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ، فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُزْدَلِفَةِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِإِقَامَةٍ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثَنَا قَيْسٌ عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَامِعٍ، صَوَابُهُ: حَازِمٌ، عَنْ عَدِيٍّ بِهِ، وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَدِيٍّ بِهِ، وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيّ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ فُضَيْلٍ الرُّؤَاسِيِّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي دَاوُد حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَصَلَاةِ الْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ، بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ»، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ هَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْإِقَامَةِ، أَخْرَجَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيَّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ «أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ»، زَادَ الْبُخَارِيُّ: جَمِيعًا، خَرَّجَهُ فِي الْمَغَازِي.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «أَفَضْنَا مَعَ ابْنِ عُمَرَ، فَلَمَّا بَلَغْنَا جَمْعًا صَلَّى بِنَا الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا، وَالْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: هَكَذَا صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَكَانِ»، انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَجَعَلَ بَعْضُ الرُّوَاةِ مَكَانَ ابْنِ عُمَرَ، ابْنَ عَبَّاسٍ، كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ حَفْصٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِجَمْعٍ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ»، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا أَسْنَدَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ وَكِيعٌ، وَإِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، وَحَسَّانُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انْتَهَى.
وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الطُّرُقِ ذِكْرُ الْأَذَانِ، لَكِنْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَقْبَلْت مَعَ ابْنِ عُمَرَ مِنْ عَرَفَاتٍ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ، فَلَمْ يَكُنْ يَفْتُرُ مِنْ التَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ، حَتَّى أَتَيْنَا الْمُزْدَلِفَةَ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، أَوْ أَمَرَ إنْسَانًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى بِنَا الْمَغْرِبَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيْنَا، فَقَالَ: الصَّلَاةَ، فَصَلَّى بِنَا الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا بِعَشَائِهِ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عِلَاجُ بْنُ عَمْرٍو بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَمْسُونَ: رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَّى الْمَغْرِبَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، ثُمَّ تَعَشَّى، ثُمَّ أَفْرَدَ الْإِقَامَةَ لِلْعِشَاءِ».
قُلْت: غَرِيبٌ، وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: حَجَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَأَتَيْنَا الْمُزْدَلِفَةَ حِينَ الْأَذَانِ بِالْعَتَمَةِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَ رَجُلًا، فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ، وَصَلَّى بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا بِعَشَائِهِ فَتَعَشَّى، ثُمَّ أَمَرَ أَرَى فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، قَالَ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ: لَا أَعْلَمُ الشَّكَّ إلَّا مِنْ زُهَيْرٍ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ، قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ إلَّا هَذِهِ الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْمَكَانِ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هُمَا صَلَاتَانِ تُحَوَّلَانِ عَنْ وَقْتِهِمَا: صَلَاةُ الْمَغْرِبِ بَعْدَ مَا يَأْتِي النَّاسُ الْمُزْدَلِفَةَ، وَالْفَجْرُ حِينَ بَزَغَ الْفَجْرُ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ، انْتَهَى.
وَأَعَادَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ إلَى مَكَّةَ، ثُمَّ قَدِمْنَا جَمْعًا فَصَلَّى الصَّلَاتَيْنِ، كُلُّ صَلَاةٍ وَحْدَهَا، بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَالْعَشَاءُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: طَلَعَ الْفَجْرُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: لَمْ يَطْلُعْ، ثُمَّ قَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ حُوِّلَتَا عَنْ وَقْتِهِمَا فِي هَذَا الْمَكَانِ: الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، فَلَا يَقْدَمُ النَّاسُ جَمْعًا حَتَّى يُعْتِمُوا، وَصَلَاةَ الْفَجْرِ هَذِهِ السَّاعَةَ»، ثُمَّ وَقَفَ حَتَّى أَسْفَرَ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفَاضَ الْآنَ أَصَابَ السُّنَّةَ، فَمَا أَدْرِي أَقَوْلُهُ كَانَ أَسْرَعَ أَمْ دَفْعُ عُثْمَانَ، فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَلَفْظُهُ قَالَ: فَلَمَّا أَتَى جَمْعًا أَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا، ثُمَّ تَعَشَّى، ثُمَّ أَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ عَنْ عُمَرَ نَحْوَهُ، وَلَمْ يُحْسِنْ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ إذْ اسْتَشْهَدَ لِهَذَا الْحَدِيثِ بِحَدِيثِ أُسَامَةَ الْآتِي ذِكْرُهُ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا، وَلَيْسَ فِيهِ الْمَقْصُودُ وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ، ثُمَّ إنَّهُ عَزَاهُ لِمُسْلِمٍ، وَهُوَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا، وَلَكِنَّهُ قَلَّدَ.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِأُسَامَةَ فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ: الصَّلَاةُ أَمَامَ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أُسَامَةَ، قَالَ: «دَفَعَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَلَمْ يُسْبِغْ الْوُضُوءَ، فَقُلْت لَهُ: الصَّلَاةَ، فَقَالَ: الصَّلَاةُ أَمَامَك فَرَكِبَ، فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ، فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّاهَا، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا»، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ: رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ بِغَلَسٍ».
قُلْت: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةً إلَّا لِمِيقَاتِهَا، إلَّا صَلَاتَيْنِ: صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِجَمْعٍ، وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا».
قَوْلُهُ: قَبْلَ مِيقَاتِهَا، أَيْ قَبْلَ مِيقَاتِهَا الْمُعْتَادِ فِي كُلِّ يَوْمٍ، لَا أَنَّهُ صَلَّاهَا قَبْلَ الْفَجْرِ، وَلَكِنْ غَلَّسَ بِهَا كَثِيرًا، بَيَّنَهُ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَالْفَجْرَ حِينَ بَزَغَ الْفَجْرُ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: قَبْلَ مِيقَاتِهَا بِغَلَسٍ، وَأَخْرَجَ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ صَلَّى بِجَمْعٍ الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا، وَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ، ثُمَّ قَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ حُوِّلَتَا عَنْ وَقْتِهِمَا فِي هَذَا الْمَكَانِ: الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، فَلَا يَقْدَمُ النَّاسُ جَمْعًا حَتَّى يُعْتِمُوا، وَصَلَاةَ الْفَجْرِ هَذِهِ السَّاعَةَ، ثُمَّ وَقَفَ حَتَّى أَسْفَرَ»، مُخْتَصَرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا بِتَمَامِهِ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَفَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَعْنِي الْمُزْدَلِفَةَ يَدْعُو حَتَّى رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «وَاسْتُجِيبَ لَهُ دُعَاؤُهُ لِأُمَّتِهِ، حَتَّى الدِّمَاءُ وَالْمَظَالِمُ».
قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: «فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَاهُ، فَكَبَّرَهُ، وَهَلَّلَهُ، وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ»، الْحَدِيثَ.
وَقَوْلُهُ: حَتَّى رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
هَذَا وَهْمٌ، وَإِنَّمَا رُوِيَ هَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الرَّابِعِ وَالْأَرْبَعِينَ، وَاعْتَذَرَ هَذَا الْجَاهِلُ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا أَرَادَ بِابْنِ عَبَّاسٍ كِنَانَةَ بْنَ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ، وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ إذَا أُطْلِقَ فَلَا يُرَادُ بِهِ إلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، فَلَوْ أَرَادَ كِنَانَةَ لَقَيَّدَهُ.
الثَّانِي: أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَيْسَ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَذْكُرَ التَّابِعِيَّ دُونَ الصَّحَابِيِّ، عِنْدَ ذِكْرِ الْحَدِيثِ، وَلَا يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِلَيْلٍ.
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَتْ سَوْدَةُ امْرَأَةً ضَخْمَةً بَطِيئَةً، فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُفِيضَ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ، فَأَذِنَ لَهَا.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَيْتَنِي كُنْت اسْتَأْذَنْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا اسْتَأْذَنَتْهُ سَوْدَةُ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ لَا تُفِيضُ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ»
، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ، فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِلَيْلٍ، فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ مَا بَدَا لَهُمْ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ، وَقَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ مِنًى لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِذَا قَدِمُوا رَمَوْا الْجَمْرَةَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: أَرْخَصَ فِي أُولَئِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا رَمَتْ الْجَمْرَةَ، قُلْت لَهَا: إنَّا رَمَيْنَا الْجَمْرَةَ بِلَيْلٍ، قَالَتْ: إنَّا كُنَّا نَصْنَعُ هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعَثَ بِهَا مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ: «كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَلَسٍ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ إلَى مِنًى»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِغَلَسٍ، وَيَأْمُرُهُمْ لَا يَرْمُونَ الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «أَرْسَلَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأُمِّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَرَمَتْ الْجَمْرَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ مَضَتْ فَأَفَاضَتْ، وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ، الْيَوْمَ الَّذِي يَكُونُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي عِنْدَهَا»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ وَقَفَ مَعَنَا هَذَا الْمَوْقِفَ، وَكَانَ قَدْ أَفَاضَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ عَرَفَاتٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ، وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْحَادِيَ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: «رَأَيْت النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْمُزْدَلِفَةِ، فَقَالَ: مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا هَذِهِ» إلَى آخِرِهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ كَافَّةِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَاعِدَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ الشَّيْخَانِ عَلَى أَصْلِهِمَا أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ مُضَرِّسٍ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ الشَّعْبِيِّ، وَقَدْ وَجَدْنَا عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ قَدْ حَدَّثَ عَنْهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ السَّمْتِيِّ ثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ، قَالَ: «جِئْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْمَوْقِفِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَيْت مِنْ جَبَلِ طَيِّئٍ، أَكَلَلْت مَطِيَّتِي، وَأَتْعَبْت نَفْسِي، وَاَللَّهِ مَا بَقِيَ جَبَلٌ مِنْ تِلْكَ الْجِبَالِ حَتَّى وَقَفْت عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ يَعْنِي صَلَاةَ الْغَدَاةِ، وَقَدْ أَتَى عَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ». انْتَهَى.
قَالَ: وَقَدْ تَابَعَ عُرْوَةَ بْنَ مُضَرِّسٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي رِوَايَةِ: هَذِهِ السُّنَّةِ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَعْمَرٍ الدُّؤَلِيُّ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَتَعَقَّبَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ الطَّرِيقَ الثَّانِيَ، وَقَالَ: إنَّ يُوسُفَ بْنَ خَالِدٍ السَّمْتِيَّ لَيْسَ بِثِقَةٍ، انْتَهَى.
وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِيهَا رَجُلٌ مَتْرُوكٌ، وَآخَرُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَفَعَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ.
قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: شَهِدْت عُمَرَ صَلَّى بِجَمْعٍ الصُّبْحَ، ثُمَّ وَقَفَ، فَقَالَ: إنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يُفِيضُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيَقُولُونَ: أَشْرَقَ ثَبِيرٌ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالَفَهُمْ، ثُمَّ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ. انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ: كَانُوا لَا يُفِيضُونَ حَتَّى تُشْرِقَ الشَّمْسُ عَلَى ثَبِيرٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: «ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ»، الْحَدِيثَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ثَنَا أَبُو دَاوُد ثَنَا زَمْعَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ بِجَمْعٍ، فَلَمَّا أَضَاءَ كُلُّ شَيْءٍ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَفَاضَ»، انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَزَمْعَةُ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: صُوَيْلِحُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكٌ، لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّ حَدِيثَهُ صَالِحٌ لَا بَأْسَ بِهِ، انْتَهَى.
وَبِهَذَا الْحَدِيثِ اسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي التَّحْقِيقِ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الدَّفْعَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ لَا يَجُوزُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَاسْتَدَلَّ لِأَحْمَدَ فِي جَوَازِهِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ فِي الرَّابِعِ وَالْخَمْسِينَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ أُمَّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَرَمَتْ الْجَمْرَةَ»، وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الدَّفْعِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَلَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِكُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حَالِ الدَّفْعُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الرَّابِعِ وَالْأَرْبَعِينَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُفِيضُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: وَأَخْرَجَ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ أَبِيهَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ نَحْوَهُ، سَوَاءً.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ إلَّا التِّرْمِذِيَّ عَنْ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «قَدَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ أُغَيْلِمَةَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى حُمُرَاتٍ، فَجَعَلَ يَلْطَخُ أَفْخَاذَنَا، وَيَقُولُ: أَبَنِيَّ لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ»، انْتَهَى.
وَالْحَسَنُ الْعُرَنِيُّ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِينٍ: إنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: (فَيَبْتَدِئُ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ) «لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا أَتَى مِنًى لَمْ يَعْرُجْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ لَا يُؤْذِي بَعْضُكُمْ بَعْضًا» (وَلَوْ رَمَى بِأَكْبَرَ مِنْهُ جَازَ) لِحُصُولِ الرَّمْيِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَرْمِي بِالْكِبَارِ مِنْ الْأَحْجَارِ كَيْ لَا يَتَأَذَّى بِهِ غَيْرُهُ (وَلَوْ رَمَاهَا مِنْ فَوْقِ الْعَقَبَةِ أَجْزَاهُ) لِأَنَّ مَا حَوْلَهَا مَوْضِعُ النُّسُكِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي لِمَا رَوَيْنَا.
(وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) كَذَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (وَلَوْ سَبَّحَ مَكَانَ التَّكْبِيرِ أَجْزَأَهُ) لِحُصُولِ الذِّكْرِ، وَهُوَ مِنْ آدَابِ الرَّمْيِ.
(وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا) لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَقِفْ عِنْدَهَا.
(وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ) لِمَا رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَرَوَى جَابِرٌ «أَنَّالنَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ أَوَّلِ حَصَاةٍ رَمَى بِهَا جَمْرَةَ الْعَقَبَة».
ثُمَّ كَيْفِيَّةُ الرَّمْيِ أَنْ يَضَعَ الْحَصَاةَ عَلَى ظَهْرِ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى وَيَسْتَعِينَ بِالْمُسَبِّحَةِ، وَمِقْدَارُ الرَّمْيِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الرَّامِي وَبَيْنَ مَوْضِعِ السُّقُوطِ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ فَصَاعِدًا كَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ يَكُونُ طَرْحًا (وَلَوْ طَرَحَهَا طَرْحًا أَجْزَأَهُ) لِأَنَّهُ رَمَى إلَى قَدَمَيْهِ إلَّا أَنَّهُ مُسِيءٌ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ (وَلَوْ وَضَعَهَا وَضْعًا لَمْ يُجْزِهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرَمْيٍ (وَلَوْ رَمَاهَا فَوَقَعَتْ قَرِيبًا مِنْ الْجَمْرَةِ يَكْفِيهِ) لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ (وَلَوْ وَقَعَ بَعِيدًا مِنْهَا يُجْزِئُهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ قُرْبَةً إلَّا فِي مَكَان مَخْصُوصٍ (وَلَوْ رَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ جُمْلَةً فَهَذِهِ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ تَفَرُّقُ الْأَفْعَالِ.
(وَيَأْخُذُ الْحَصَى مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ إلَّا مِنْ عِنْدِ الْجَمْرَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُكْرَهُ) لِأَنَّ مَا عِنْدَهَا مِنْ الْحَصَى مَرْدُودٌ هَكَذَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ فَيَتَشَاءَمُ بِهِ وَمَعَ هَذَا لَوْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ لِوُجُودِ فِعْلِ الرَّمْيِ (وَيَجُوزُ الرَّمْيُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ عِنْدَنَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِعْلُ الرَّمْيِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالطِّينِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْحَجَرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَمَى بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ لِأَنَّهُ يُسَمَّى نَثْرًا لَا رَمْيًا.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَعْرُجْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ».
قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: «فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ، فَحَرَّكَ قَلِيلًا، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تُخْرِجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى، حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ».
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ، لَا يُؤْذِي بَعْضُكُمْ بَعْضًا».
قُلْت: رَوَى أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمَا قَرِيبًا مِنْهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ عَنْ أُمِّهِ، قَالَتْ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَهُوَ رَاكِبٌ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَرَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ يَسْتُرُهُ، فَسَأَلْت عَنْ الرَّجُلِ، فَقَالُوا: الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، وَازْدَحَمَ النَّاسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، لَا يَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَإِذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ فَارْمُوا بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو يَعْلَى فِي مَسَانِيدِهِمْ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ عَنْ أَشْهَبَ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى حَدَّثَهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا أَتَى مُحَسِّرًا: «عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَيُّوبَ إلَّا ابْنُ لَهِيعَةَ، تَفَرَّدَ بِهِ أَشْهَبُ، وَفِي الْبَابِ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى الْجَمْرَةَ بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّ أَبَا مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ»، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ يَحْيَى غَيْرُ إسْمَاعِيلَ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْعَبَّاسَ، وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ رَحِمَهُ اللَّهُ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رُوِيَ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا ابْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا عَوْفُ بْنُ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحُصَيْنِ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ جَمْعٍ: اُلْقُطْ لِي، فَلَقَطْت لَهُ حَصَيَاتٍ مِنْ حَصَى الْخَذْفِ، فَلَمَّا وَضَعَهُنَّ فِي يَدِهِ، قَالَ: نَعَمْ بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ»، انْتَهَى.
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، قَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَوْفٍ بِهِ.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ: رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عُمَرَ التَّكْبِيرَ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ.
قُلْت: أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، هَكَذَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: رَمَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ نَاسًا يَرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: هَذَا وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، عَنْ الْأَعْمَشِ، قَالَ: سَمِعْت الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ يَقُولُ، وَهُوَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ: لَا تَقُولُوا: سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَقُولُوا: السُّورَةَ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا الْبَقَرَةُ، السُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا آلُ عِمْرَانَ، السُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا النِّسَاءُ، قَالَ: فَلَقِيت إبْرَاهِيمَ فَأَخْبَرْته بِقَوْلِهِ، فَسَبَّهُ، وَقَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَأَتَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَاسْتَبْطَنَ الْوَادِيَ، فَاسْتَعْرَضَهَا، فَرَمَاهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، إلَى آخِرِهِ، سَوَاءً، وَلَيْسَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي هَذَا الْبَابِ غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ غَيْرُ كَافٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ رَفَعَهُ، وَيُنْظَرُ مِنْ غَيْرِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْت سَالِمًا يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ كَانَ: «إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ رَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَنْحَدِرُ أَمَامَهَا فَيَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو، وَكَانَ يُطِيلُ الْوُقُوفَ، وَيَأْتِي الْجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ، فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ، ثُمَّ يَنْحَدِرُ ذَاتَ الْيَسَارِ مِمَّا يَلِي الْوَادِيَ، فَيَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْبَيْتِ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو، ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الْعَقَبَةِ، فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَاهَا بِحَصَاةٍ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا»، انْتَهَى.
وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ جَابِرٍ الطَّوِيلُ: «حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ»، الْحَدِيثَ.
الْحَدِيثُ السِّتُّونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَقِفْ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ.
قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الْعَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَاهَا بِحَصَاةٍ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا»، الْحَدِيثَ، وَلَهُ أَيْضًا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ عَلَى إثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيُسْهِلُ، فَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، فَيَقُومُ طَوِيلًا، وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى، ثُمَّ يَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَيُسْهِلُ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ يَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَيَقُومُ طَوِيلًا، ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ ذَاتِ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ»، انْتَهَى.
وَأَغْفَلَ هَذَا الْجَاهِلُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ، وَأَخَذَ يَسْتَشْهِدُ بِمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: «حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا، مِثْلِ حَصَاةِ الْخَذْفِ، رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ، فَنَحَرَ»، وَهَذَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: وَيَقْطَعُ التَّكْبِيرَ مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ، لِمَا رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْهُ.
قُلْت: كَأَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَهَلَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، إنَّمَا ذَكَرَ عَنْهُ: التَّكْبِيرَ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَفْهُومِهِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ مِنْ أَوَّلِ حَصَاةٍ، وَصَرَّحَ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُ مِنْ جِهَةِ مُسْلِمٍ: وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِ حَصَاةٍ، ثُمَّ كَانَ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَرُوِيَ فِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «رَمَقْت النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بِأَوَّلِ حَصَاةٍ»، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ: رَوَى جَابِرٌ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ أَوَّلِ حَصَاةٍ رَمَى بِهَا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ».
قُلْت: هُوَ مَفْهُومُ مَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: «حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ»، الْحَدِيثَ، وَتَقَدَّمَ صَرِيحًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ.
قَوْلُهُ: وَيَأْخُذُ الْحَصَى مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ، لَا مِنْ عِنْدِ الْجَمْرَةِ، لِأَنَّ مَا عِنْدَهَا مِنْ الْحَصَى مَرْدُودٌ، هَكَذَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ، فَيَتَشَاءَمُ بِهِ.
قُلْت: فِيهَا أَحَادِيثُ: فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: «قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ الْجِمَارُ الَّتِي يُرْمَى بِهَا كُلَّ عَامٍ، فَتَحْسِبُ أَنَّهَا تَنْقُصُ، فَقَالَ: إنَّهُ مَا يُقْبَلُ مِنْهَا رُفِعَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَرَأَيْتهَا أَمْثَالَ الْجِبَالِ»، انْتَهَى.
قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَيَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ لَيْسَ بِالْمَتْرُوكِ. انْتَهَى.
وَأَعَلَّهُ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ بِيَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ، وَقَالَ: فِيهِ مَقَالٌ، انْتَهَى.
وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ، فَإِنَّ أَبَا فَرْوَةَ يَزِيدَ بْنَ سِنَانٍ ضَعَّفَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَغَيْرُهُمَا، وَتَرَكَهُ النَّسَائِيّ، وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ مَوْقُوفًا، فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْقَيْسِيِّ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: مَا يُقْبَلُ مِنْ حَصَى الْجِمَارِ رُفِعَ. انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خِرَاشٍ عَنْ الْعَوَّامِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا قُبِلَ حَجُّ امْرِئٍ إلَّا رُفِعَ حَصَاهُ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خِرَاشٍ عَنْ وَاسِطِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ نَافِعٍ بِهِ، سَوَاءً، وَأَعَلَّهُ ابْنُ عَدِيٍّ بِوَاسِطَ، وَقَالَ: عَامَّةُ حَدِيثِهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْه، انْتَهَى.
قُلْت: فَقَدْ تَابَعَهُ الْعَوَّامُ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ مَوْقُوفٌ: رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبَّاسٍ الْعَامِرِيِّ، قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بَابَاهُ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي حَصَاةِ الْجِمَارِ: مَا يُقْبَلُ مِنْهُ رُفِعَ، وَمَا لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ تُرِكَ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ فِطْرٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ، وَرَوَاهُ الْأَزْرَقِيُّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ حَدَّثَنِي جَدِّي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ أَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ.
قَالَ: (ثُمَّ يَذْبَحُ إنْ أَحَبَّ ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ) لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نَرْمِيَ ثُمَّ نَذْبَحَ ثُمَّ نَحْلِقَ» وَلِأَنَّ الْحَلْقَ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ وَكَذَا الذَّبْحُ حَتَّى يَتَحَلَّلَ بِهِ الْمُحْصِرُ فَيُقَدِّمَ الرَّمْيَ عَلَيْهِمَا ثُمَّ الْحَلْقُ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فَيُقَدِّمُ عَلَيْهِ الذَّبْحَ، وَإِنَّمَا عَلَّقَ الذَّبْحَ بِالْمَحَبَّةِ لِأَنَّ الدَّمَ الَّذِي يَأْتِي بِهِ الْمُفْرِدُ تَطَوُّعٌ، وَالْكَلَامُ فِي الْمُفْرِدِ.
(وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ» الْحَدِيثُ ظَاهِرٌ بِالتَّرَحُّمِ عَلَيْهِمْ، وَلِأَنَّ الْحَلْقَ أَكْمَلُ فِي قَضَاءِ التَّفَثِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ، وَفِي التَّقْصِيرِ بَعْضُ التَّقْصِيرِ فَأَشْبَهَ الِاغْتِسَالَ مَعَ الْوُضُوءِ، وَيَكْتَفِي فِي الْحَلْقِ بِرُبُعِ الرَّأْسِ اعْتِبَارًا بِالْمَسْحِ وَحَلْقُ الْكُلِّ أَوْلَى اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وَالتَّقْصِيرُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ رُءُوسِ شَعْرِهِ مِقْدَارَ الْأُنْمُلَةِ (وَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ).
وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَإِلَّا الطِّيبَ أَيْضًا لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ.
وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيهِ «حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ» وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ (وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْجِمَاعُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ عِنْدَنَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ بِالنِّسَاءِ، فَيُؤَخَّرُ إلَى تَمَامِ الْإِحْلَالِ (ثُمَّ الرَّمْيُ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ عِنْدَنَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، هُوَ يَقُولُ إنَّهُ يَتَوَقَّتُ بِيَوْمِ النَّحْرِ كَالْحَلْقِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ فِي التَّحْلِيلِ.
وَلَنَا أَنَّ مَا يَكُونُ مُحَلِّلًا يَكُونُ جِنَايَةً فِي غَيْرِ أَوَانِهِ كَالْحَلْقِ، وَالرَّمْيُ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ بِخِلَافِ الطَّوَافِ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ بِالْحَلْقِ السَّابِقِ لَا بِهِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا هَذَا أَنْ نَرْمِيَ، ثُمَّ نَذْبَحَ، ثُمَّ نَحْلِقَ أَوْ نُقَصِّرَ».
قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى مِنًى، فَأَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا، ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنًى فَنَحَرَ، ثُمَّ قَالَ لِلْحَلَّاقِ: خُذْ، وَأَشَارَ إلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ الْأَيْسَرِ ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ»، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ؟ قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَالْمُقَصِّرِينَ»،انْتَهَى.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: فَلَمَّا كَانَتْ الرَّابِعَةُ، قَالَ: وَالْمُقَصِّرِينَ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ أَنَّهَا «سَمِعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ دَعَا لِلْمُحَلِّقِينَ وَالْمُقَصِّرِينَ وَاحِدَةً»، انْتَهَى.
وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ فِي الْمَغَازِي أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أُمِّ عُمَارَةَ، قَالَتْ: «فَأَنَا أَنْظُرُ إلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ فَرَغَ مِنْ نَحْرِ الْبُدْنِ، فَدَخَلَ قُبَّةً لَهُ حَمْرَاءَ، فِيهَا الْحَلَّاقُ، فَحَلَقَ رَأْسَهُ، فَأَنْظُرُ إلَيْهِ قَدْ أَخْرَجَ رَأْسَهُ مِنْ قُبَّتِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالْمُقَصِّرِينَ؟ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: وَالْمُقَصِّرِينَ»، انْتَهَى.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ:
مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: «قَصَّرْت عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمِشْقَصٍ عَلَى الْمَرْوَةِ»، وَزَادَ أَبُو دَاوُد لِحَجَّتِهِ، قَالَ: الْمُنْذِرِيُّ: أَيْ لِعُمْرَتِهِ، فَفِي لَفْظٍ لِلنَّسَائِيِّ: فِي عُمْرَةٍ عَلَى الْمَرْوَةِ، وَالْعُمْرَةُ قَدْ تُسَمَّى حَجًّا، لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْقَصْدُ، وَقَدْ «قَالَتْ: حَفْصَةُ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَا بَالُ النَّاسِ حَلُّوا وَأَنْتَ لَمْ تَحْلِلْ مِنْ عُمْرَتِك»، مَعْنَاهُ مِنْ حَجَّتِك، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيُكْتَفَى فِي الْحَلْقِ بِرُبُعِ الرَّأْسِ اعْتِبَارًا بِالْمَسْحِ، وَحَلْقُ الْكُلِّ أَوْلَى اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْت: أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «لَمَّا رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَمْرَةَ وَنَحَرَ نُسُكَهُ، وَحَلَقَ، نَاوَلَ الْحَالِقَ بِشِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَحَلَقَهُ، ثُمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ الشِّقَّ الْآخَرَ، فَقَالَ: احْلِقْ فَحَلَقَهُ، فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ، فَقَالَ: اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ»، انْتَهَى.
وَوَهَمَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، فَرَوَاهُ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَلَمْ يُعَقِّبْهُ الذَّهَبِيُّ فِي ذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ»، وَهَذَا اللَّفْظُ يُشْعِرُ بِجَمِيعِ الرَّأْسِ، إذْ لَا يُقَالُ: حَلَقَ رَأْسَهُ لِمَنْ حَلَقَ بَعْضَهَا.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ: «قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: فِيمَنْ رَمَى، ثُمَّ ذَبَحَ ثُمَّ حَلَقَ: حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا رَمَى أَحَدُكُمْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ»، انْتَهَى.
قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ لَمْ يَرَ الزُّهْرِيَّ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، فَذَكَرَهُ سَوَاءً، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا رَمَيْتُمْ، وَحَلَقْتُمْ، وَذَبَحْتُمْ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ»، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ، فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا الْعَبَّاسِ وَالطِّيبُ؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَمِّخُ رَأْسَهُ بِالْمِسْكِ، أَفَطِيبٌ هُوَ أَمْ لَا؟»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ أُمِّهِ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ «أَنَّهُ قَالَ عَشِيَّةَ يَوْمِ النَّحْرِ: إنَّ هَذَا يَوْمٌ رُخِّصَ لَكُمْ، إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ أَنْ تَحِلُّوا مِنْ كُلِّ مَا حُرِمْتُمْ عَنْهُ إلَّا النِّسَاءَ»، مُخْتَصَرٌ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ كَذَلِكَ، وَلَفْظُهُ: قَالَتْ: «كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي يَصِيرُ إلَيَّ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَاءَ يَوْمِ النَّحْرِ، فَصَارَ إلَيَّ فَدَخَلَ عَلَيَّ وَهْبُ بْنُ زَمْعَةَ، وَمَعَهُ رَجُلٌ مِنْ آلِ أَبِي أُمَيَّةَ مُتَقَمِّصِينَ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِوَهْبٍ: هَلْ أَفَضْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: انْزِعْ عَنْك الْقَمِيصَ؟ فَنَزَعَهُ عَنْ رَأْسِهِ، وَنَزَعَ صَاحِبُهُ قَمِيصَهُ مِنْ رَأْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَلِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إنَّ هَذَا يَوْمٌ رُخِّصَ لَكُمْ إذَا أَنْتُمْ رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ أَنْ تَحِلُّوا يَعْنِي مِنْ كُلِّ مَا حُرِمْتُمْ مِنْهُ إلَّا النِّسَاءَ فَإِذَا أَمْسَيْتُمْ قَبْلَ أَنْ تَطُوفُوا هَذَا الْبَيْتَ صِرْتُمْ حُرُمًا، كَهَيْئَتِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَرْمُوا الْجَمْرَةَ، حَتَّى تَطُوفُوا بِهِ»، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: «مِنْ سُنَّةِ الْحَجِّ: إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ، إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ حَتَّى يَزُورَ الْبَيْتَ»، مُخْتَصَرٌ.
وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَتَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ فِي الْحَدِيثِ الْخَامِسِ وَالثَّلَاثِينَ، وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ لِمَالِكٍ أَيْضًا فِي تَحْرِيمِ الطِّيبِ بِمَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ مَا حَرُمَ، إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ، ثُمَّ احْتَجَّ عَلَيْهِ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ: «قَالَتْ: طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبَيْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَيَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ».
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَمْرَةَ عَنْهَا، قَالَتْ: «طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحُرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ»، انْتَهَى.
قَالَ: (ثُمَّ يَأْتِي مَكَّةَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ أَوْ مِنْ الْغَدِ أَوْ مِنْ بَعْدِ الْغَدِ، فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الزِّيَارَةِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا حَلَقَ أَفَاضَ إلَى مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ عَادَ إلَى مِنًى وَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى» (وَوَقْتُهُ أَيَّامُ النَّحْرِ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَطَفَ الطَّوَافَ عَلَى الذَّبْحِ قَالَ: {فَكُلُوا مِنْهَا} ثُمَّ قَالَ: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} فَكَانَ وَقْتُهُمَا وَاحِدًا.
(وَأَوَّلُ وَقْتِهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ) لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ مِنْ اللَّيْلِ وَقْتُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالطَّوَافُ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ، وَأَفْضَلُ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَوَّلُهَا كَمَا فِي التَّضْحِيَةِ، وَفِي الْحَدِيثِ: «أَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا» (فَإِنْ كَانَ قَدْ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَمْ يَرْمُلْ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَلَا سَعْيَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُقَدِّمْ السَّعْيَ رَمَلَ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَسَعَى بَعْدَهُ) لِأَنَّ السَّعْيَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مَرَّةً، وَالرَّمَلُ مَا شُرِعَ إلَّا مَرَّةً فِي طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ (وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ هَذَا الطَّوَافِ) لِأَنَّ خَتْمَ كُلِّ طَوَافٍ بِرَكْعَتَيْنِ فَرْضًا كَانَ الطَّوَافُ أَوْ نَفْلًا لِمَا بَيَّنَّاهُ.
قَالَ: (وَقَدْ حَلَّ لَهُ النِّسَاءُ) وَلَكِنْ بِالْحَلْقِ السَّابِقِ، إذْ هُوَ الْمُحَلِّلُ لَا بِالطَّوَافِ إلَّا أَنَّهُ أَخَّرَ عَمَلَهُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ.
قَالَ: (وَهَذَا الطَّوَافُ هُوَ الْمَفْرُوضُ فِي الْحَجِّ) وَهُوَ رُكْنٌ فِيهِ، إذْ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} وَيُسَمَّى طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَطَوَافَ يَوْمِ النَّحْرِ (وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهُ عَنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مُؤَقَّتٌ بِهَا (وَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهَا لَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ) وَسَنُبَيِّنُهُ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا حَلَقَ أَفَاضَ إلَى مَكَّةَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ عَادَ إلَى مِنًى وَصَلَّى الظُّهْرَ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى»، قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُفِيضُ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُصَلِّي الظُّهْرَ بِمِنًى، وَيَذْكُرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ. انْتَهَى.
وَوَهَمَ الْحَاكِمُ فَرَوَاهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: «ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَاضَ إلَى الْبَيْتِ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ»، الْحَدِيثَ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَأَحَدُ الْخَبَرَيْنِ وَهْمٌ، إلَّا أَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ لِوُجُوهٍ ذَكَرَهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَعَادَهَا لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ فِي سِيرَتِهِ: وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَجَعَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ إلَى مِنًى، فَصَلَّى الظُّهْرَ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ، وَجَابِرٌ: بَلْ صَلَّى الظُّهْرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ بِمَكَّةَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَحَدَ الْخَبَرَيْنِ وَهْمٌ، وَلَا يُدْرَى أَيُّهُمَا هُوَ، لِصِحَّةِ الطُّرُقِ فِي ذَلِكَ. انْتَهَى.
وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، وَعَزَاهُ لِمُسْلِمٍ، ثُمَّ قَالَ: وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ، حَتَّى صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى»، قَالَ: وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَصَحُّ إسْنَادًا مِنْ هَذَا، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ ابْنِ إِسْحَاقَ هَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ.
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ عَلَى فَرْضِيَّةِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «حَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بَعْدَ مَا أَفَاضَتْ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ، وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَلْتَنْفِرْ إذَنْ»، انْتَهَى.
وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَأَنَّهُ بَعْدَ الْحَلْقِ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لَهُ ذِكْرٌ إلَّا بِالْمَفْهُومِ، وَلَا وَجَدْته فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ السِّتَّةِ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَوَّلُ وَقْتِهِ يَعْنِي طَوَافَ الزِّيَارَةِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ النَّحْرِ، وَأَفْضَلُ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَوَّلُهَا، كَمَا فِي التَّضْحِيَةِ، وَفِي الْحَدِيثِ: «أَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا».
قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا، وَأَعَادَهُ فِي الْأُضْحِيَّةِ.
قَالَ: (ثُمَّ يَعُودُ إلَى مِنًى فَيُقِيمُ بِهَا) لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَجَعَ إلَيْهَا كَمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ الرَّمْيُ وَمَوْضِعُهُ بِمِنًى (فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ، فَيَبْدَأُ بِاَلَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَيَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَرْمِي الَّتِي تَلِيهَا مِثْلَ ذَلِكَ وَيَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ كَذَلِكَ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا) هَكَذَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا نَقَلَ مِنْ نُسُكِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُفَسِّرًا.
(وَيَقِفُ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ فِي الْمَقَامِ الَّذِي يَقِفُ فِيهِ النَّاسُ وَيَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَيُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَيَدْعُو بِحَاجَتِهِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ» وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ، وَالْمُرَادُ رَفْعُ الْأَيْدِي بِالدُّعَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي دُعَائِهِ فِي هَذِهِ الْمَوَاقِفِ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ» ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ يَقِفُ بَعْدَهُ، لِأَنَّهُ فِي وَسَطِ الْعِبَادَةِ فَيَأْتِي بِالدُّعَاءِ فِيهِ، وَكُلُّ رَمْيٍ لَيْسَ بَعْدَهُ رَمْيٌ لَا يَقِفُ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ قَدْ انْتَهَتْ، وَلِهَذَا لَا يَقِفُ بَعْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ أَيْضًا.
قَالَ: (وَإِذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَعَجَّلَ النَّفْرَ إلَى مَكَّةَ نَفَرَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ رَمْيَ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ لِمَنْ اتَّقَى} (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُقِيمَ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَبَرَ حَتَّى رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ، وَلَهُ أَنْ يَنْفِرَ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ، فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْفِرَ لِدُخُولِ وَقْتِ الرَّمْيِ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَإِنْ قَدَّمَ الرَّمْيَ فِي هَذَا الْيَوْمِ) يَعْنِي الْيَوْمَ الرَّابِعَ (قَبْلَ الزَّوَالِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ.
وَقَالَا: لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْأَيَّامِ، وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ فِي رُخْصَةِ النَّفْرِ، فَإِذَا لَمْ يَتَرَخَّصْ اُلْتُحِقَ بِهَا، وَمَذْهَبُهُ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَلِأَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ أَثَرُ التَّخْفِيفِ فِي هَذَا الْيَوْمِ فِي حَقِّ التَّرْكِ فَلَأَنْ يَظْهَرَ فِي جَوَازِهِ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا أَوْلَى، بِخِلَافِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي حَيْثُ لَا يَجُوزُ الرَّمْيُ فِيهِمَا إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ فِيهَا فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ الْمَرْوِيِّ (فَأَمَّا يَوْمُ النَّحْرِ فَأَوَّلُ وَقْتِ الرَّمْيِ فِيهِ مِنْ وَقْتِ طُلُوعِ الْفَجْرِ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَوَّلُهُ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا لَيْلًا».
وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا تَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إلَّا مُصْبِحِينَ» وَيُرْوَى حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَيَثْبُتُ أَصْلُ الْوَقْتِ بِالْأَوَّلِ وَالْأَفْضَلِيَّةُ بِالثَّانِي، وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ وَلِأَنَّ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَقْتُ الْوُقُوفِ وَالرَّمْيُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ وَقْتُهُ بَعْدَهُ ضَرُورَةً، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَمْتَدُّ هَذَا الْوَقْتُ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ الرَّمْيُ» جَعَلَ الْيَوْمَ وَقْتًا لَهُ وَذَهَابُهُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَمْتَدُّ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا (وَإِنْ أَخَّرَ إلَى اللَّيْلِ رَمَاهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِحَدِيثِ الدُّعَاءِ (وَإِنْ أَخَّرَ إلَى الْغَدِ رَمَاهُ) لِأَنَّهُ وَقْتُ جِنْسِ الرَّمْيِ (وَعَلَيْهِ دَمٌ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِتَأْخِيرِهِ عَنْ وَقْتِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ.
قَالَ: (فَإِنْ رَمَاهَا رَاكِبًا أَجْزَاهُ) لِحُصُولِ فِعْلِ الرَّمْيِ (وَكُلُّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَرْمِيَهُ مَاشِيًا وَإِلَّا فَيَرْمِيه رَاكِبًا) لِأَنَّ الْأَوَّلَ بَعْدَهُ وُقُوفٌ وَدُعَاءٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَيَرْمِيه مَاشِيًا، لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى التَّضَرُّعِ، وَبَيَانُ الْأَفْضَلِ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
(وَيُكْرَهُ أَنْ لَا يَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِيَ الرَّمْيِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَاتَ بِهَا وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُؤَدِّبُ عَلَى تَرْكِ الْمُقَامِ بِهَا (وَلَوْ بَاتَ فِي غَيْرِهَا مُتَعَمِّدًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَنَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّهُ وَجَبَ لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ الرَّمْيُ فِي أَيَّامِهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ فَتَرْكُهُ لَا يُوجِبُ الْجَابِرَ.
قَالَ: (وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الرَّجُلُ ثَقَلَهُ إلَى مَكَّةَ وَيُقِيمَ حَتَّى يَرْمِيَ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَمْنَعُ مِنْهُ وَيُؤَدِّبُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ يُوجِبُ شَغْلَ قَلْبِهِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَجَعَ إلَى مِنًى.
قُلْت: تَقَدَّمَ قَرِيبًا.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ، فَيَبْدَأُ بِاَلَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ، فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَيَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَرْمِي الَّتِي تَلِيهَا مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ كَذَلِكَ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، هَكَذَا رَوَى جَابِرٌ، فِيمَا نَقَلَ مِنْ نُسُكِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُفَسَّرًا.
قُلْت: غَرِيبٌ عَنْ جَابِرٍ، وَاَلَّذِي فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ لَا غَيْرُ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ عَلَى إثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيُسْهِلُ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قِيَامًا طَوِيلًا فَيَدْعُو، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى كَذَلِكَ، فَيَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ فَيُسْهِلُ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قِيَامًا طَوِيلًا فَيَدْعُو، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الْجَمْرَةَ ذَاتَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، وَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ»، انْتَهَى.
وَوَهَمَ الْحَاكِمُ، فَرَوَاهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ.
قَالَتْ: «أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، كُلُّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَيَقِفُ عِنْدَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، فَيُطِيلُ الْقِيَامَ، وَيَتَضَرَّعُ، وَيَرْمِي الثَّالِثَةَ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا»، انْتَهَى.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ غَيْرَ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى، فَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَبَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ»، انْتَهَى.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: يُرِيدُ جَابِرٌ أَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ لَا رَمْيَ فِيهِ غَيْرُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَأَمَّا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَلَا يَجُوزُ الرَّمْيُ فِيهَا إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، انْتَهَى.
وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَا نَرْمِي الْجِمَارَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّبْعُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ»، وَذَكَرَ مِنْهَا الْجَمْرَتَيْنِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْمُرَادُ رَفْعُ الْأَيْدِي بِالدُّعَاءِ.
قُلْت: تَقَدَّمَ حَدِيثُ السَّبْعِ مَوَاطِنَ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَفِيهِ الْجَمَرَاتُ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ عَلَى إثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيُسْهِلُ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قِيَامًا طَوِيلًا يَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى كَذَلِكَ، فَيَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ فَيُسْهِلُ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قِيَامًا طَوِيلًا، فَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ الْجَمْرَةَ ذَاتَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، وَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْته عَلَيْهِ السَّلَامُ يَفْعَلُ»، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ، وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ»، انْتَهَى.
وقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْر، قَالَ: سَمِعْت سُهَيْلَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، ثُمَّ وَجَدْته فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى لَمْ يَذْكُرْهُ إلَّا بِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ فِيهِ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَهَذَا اخْتِلَافُ نُسْخَةٍ، وَبِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ، وَابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَقَالَ: قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ: مَا أَظُنُّ شَرِيكًا إلَّا ذَهَبَ وَهْمُهُ إلَى حَدِيثِ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ، إلَى آخِرِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: يُغْفَرُ لِلْحَاجِّ، وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ، بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمَ، وَصَفَرَ، وَعَشْرًا مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، انْتَهَى.
وَيُرَاجَعُ، فَإِنِّي وَجَدْته رَوَاهُ الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، فَذَكَرَهُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَبَرَ حَتَّى رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ».
قُلْت: تَقَدَّمَ لِأَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى، فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ»، الْحَدِيثُ وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
قَوْلُهُ: وَمَذْهَبُهُ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ يَعْنِي مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي تَقْدِيمِ الرَّمْيِ عَلَى الزَّوَالِ بَعْدَ الْفَجْرِ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
قُلْت: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ: إذَا انْتَفَخَ النَّهَارُ مِنْ يَوْمِ النَّفْرِ فَقَدْ حَلَّ الرَّمْيُ وَالصَّدَرُ، انْتَهَى.
فِي مُسْنَدِ طَلْحَةَ بْنِ عُمَرَ، وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ: وَالِانْتِفَاخُ: الِارْتِفَاعُ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا لَيْلًا».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرٍو، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى ثَنَا مُسَدَّدٌ ثَنَا خَالِدٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا لَيْلًا»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى آخِرِهِ، وَفِيهِ: أَنْ يَرْمُوا الْجِمَارَ، رَوَاهُ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرٍو: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ بَكْرِ بْنِ بَكَّارَ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الْأَحْوَلُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا بِاللَّيْلِ، وَأَيَّةِ سَاعَةٍ شَاءُوا مِنْ النَّهَارِ»، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ هَذَا إنْ كَانَ هُوَ الْخُوزِيَّ فَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ؟، وَبَكْرُ بْنُ بَكَّارَ قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَدُونَ بَكْرِ بْنِ بَكَّارَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَازِيُّ، لَا خَالِدٌ، قَالَ: وَرَوَى الْبَزَّارُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ أَنْ يَرْمُوا بِاللَّيْلِ»، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَمُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ شَيْخُ الشَّافِعِيِّ، ضَعَّفَهُ قَوْمٌ، وَوَثَّقَهُ آخَرُونَ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَأَبُو حَاتِمٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ إلَّا مُصْبِحِينَ»، قَالَ: وَيُرْوَى: حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ.
قُلْت: الْأَوَّلُ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد ثَنَا الْمُقَدَّمِيُّ ثَنَا فُضَيْلٍ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَا كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَأْمُرُ نِسَاءَهُ وَثَقَلَهُ صَبِيحَةَ جَمْعٍ أَنْ يُفِيضُوا مَعَ أَوَّلِ الْفَجْرِ بِسَوَادٍ، وَلَا يَرْمُوا الْجَمْرَةَ إلَّا مُصْبِحِينَ»، انْتَهَى.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ثَنَا حَمَّادٌ ثَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ فِي الثَّقَلِ، وَقَالَ: لَا تَرْمُوا الْجِمَارَ حَتَّى تُصْبِحُوا»، انْتَهَى.
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، فَتَقَدَّمَ لِأَصْحَابِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَدِّمُ ضُعَفَاءَ أَهْلِهِ بِغَلَسٍ، وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ لَا يَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ»، انْتَهَى.
وَرَوَوْا إلَّا التِّرْمِذِيَّ عَنْ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ أُغَيْلِمَةً مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَلَى حُمُرَاتٍ، فَجَعَلَ يَلْطَخُ أَفْخَاذَنَا، وَيَقُولُ: يَا بَنِيَّ لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَالْحَسَنُ الْعُرَنِيُّ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِينٍ: إنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ شَيْئًا، انْتَهَى.
وَرَوَى الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ ضَعَفَةَ بَنِي هَاشِمٍ أَنْ يَرْتَحِلُوا مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ، وَيَقُولُ: أَبَنِيَّ، لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ»، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالسَّبْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ الرَّمْيُ»، إلَى آخِرِهِ.
قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي وَالسِّتِّينَ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالسَّبْعُونَ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَاتَ بِمِنًى لَيَالِيَ الرَّمْيِ».
قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ التَّاسِعِ وَالسِّتِّينَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى، فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ»، الْحَدِيثَ.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ، قَالَ: بَابُ يَبِيتُ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ ثَنَا يَحْيَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي حَرِيزٌ، أَوْ أَبُو حَرِيزٍ الشَّكُّ مِنْ يَحْيَى أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ فَرُّوخَ يَسْأَلُ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: إنَّنَا نَتَبَايَعُ بِأَمْوَالِ النَّاسِ، فَيَأْتِي أَحَدُنَا مَكَّةَ فَيَبِيتُ عَلَى الْمَالِ، فَقَالَ: «أَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَاتَ بِمِنًى وَظَلَّ»، انْتَهَى.
ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ حَدِيثَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «اسْتَأْذَنَ الْعَبَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ» انْتَهَى.
هَذَا أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ وَبِهِ احْتَجَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِلشَّافِعِيِّ، قَالَ: وَوَجْهُ الْحُجَّةِ الْمَبِيتُ بِمِنًى، لَوْلَا أَنَّهُ وَاجِبٌ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إذْنٍ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَعُمَرُ كَانَ يُؤَدِّبُ عَلَى تَرْكِ الْمَقَامِ بِهَا.
قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَنْهَى أَنْ يَبِيتَ أَحَدٌ مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ، وَكَانَ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا مِنًى، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا ابْنُ الْفُضَيْلِ عَنْ لَيْثٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَبِيتَنَّ أَحَدٌ مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ لَيْلًا بِمِنًى أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، انْتَهَى.
ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَنَامَ أَحَدٌ أَيَّامَ مِنًى بِمَكَّةَ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يُقَدِّمَ الرَّجُلُ ثَقَلَهُ إلَى مَكَّةَ وَيُقِيمَ بِمِنًى حَتَّى يَرْمِيَ.
قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: مَنْ تَقَدَّمَ ثَقَلُهُ مِنْ مِنًى لَيْلَةَ نَفْرٍ فَلَا حَجَّ لَهُ، انْتَهَى.
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: مَنْ قَدَّمَ ثَقَلَهُ قَبْلَ النَّفْرِ فَلَا حَجَّ لَهُ. انْتَهَى.
(وَإِذَا نَفَرَ إلَى مَكَّةَ نَزَلَ بِالْمُحَصَّبِ) وَهُوَ الْأَبْطَحُ، وَهُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ قَدْ نَزَلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ نُزُولُهُ قَصْدًا هُوَ الْأَصَحَّ حَتَّى يَكُونَ النُّزُولُ بِهِ سُنَّةً عَلَى مَا رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ إنَّا نَازِلُونَ غَدًا بِالْخَيْفِ خَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمَ الْمُشْرِكُونَ فِيهِ عَلَى شِرْكِهِمْ» يُشِيرُ إلَى عَهْدِهِمْ عَلَى هِجْرَانِ بَنِي هَاشِمٍ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ نَزَلَ بِهِ إرَاءَةً لِلْمُشْرِكِينَ لَطِيفَ صُنْعِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ فَصَارَ سُنَّةً كَالرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ.
قَالَ: (ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ وَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ لَا يَرْمُلُ فِيهَا، وَهَذَا طَوَافُ الصَّدَرِ) وَيُسَمَّى طَوَافَ الْوَدَاعِ وَطَوَافُ آخِرِ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ لِأَنَّهُ يُوَدِّعُ الْبَيْتَ وَيَصْدُرُ بِهِ (وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَنَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ الطَّوَافُ» وَرَخَّصَ لِلنِّسَاءِ الْحُيَّضِ تَرْكَهُ (إلَّا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ) لِأَنَّهُمْ لَا يَصْدُرُونَ وَلَا يُوَدِّعُونَ، وَلَا رَمَلَ فِيهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ شُرِعَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بَعْدَهُ لِمَا قَدَّمْنَا (ثُمَّ يَأْتِي زَمْزَمَ وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اسْتَقَى دَلْوًا بِنَفْسِهِ فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ أَفْرَغَ بَاقِيَ الدَّلْوِ فِي الْبِئْرِ» (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ الْبَابَ وَيُقَبِّلَ الْعَتَبَةَ ثُمَّ يَأْتِيَ الْمُلْتَزَمَ) وَهُوَ مَا بَيْنَ الْحِجْرِ إلَى الْبَابِ (فَيَضَعُ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ عَلَيْهِ وَيَتَشَبَّثُ بِالْأَسْتَارِ سَاعَةً ثُمَّ يَعُودُ إلَى أَهْلِهِ) هَكَذَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَعَلَ بِالْمُلْتَزَمِ ذَلِكَ، قَالُوا: وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْصَرِفَ وَهُوَ يَمْشِي وَرَاءَهُ وَوَجْهُهُ إلَى الْبَيْتِ مُتَبَاكِيًا مُتَحَسِّرًا عَلَى فِرَاقِ الْبَيْتِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَهَذَا بَيَانُ تَمَامِ الْحَجِّ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَزَلَ بِالْمُحَصَّبِ»، قُلْت فِيهِ أَحَادِيثُ: فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِمِنًى: نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ»، وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا، وَبَنِي كِنَانَةَ تَحَالَفَتْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ أَنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ وَلَا يُبَايِعُوهُمْ حَتَّى يُسَلِّمُوا إلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُحَصَّبَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ، ثُمَّ رَكِبَ إلَى الْبَيْتِ، فَطَافَ بِهِ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ كَانُوا يَنْزِلُونَ بِالْأَبْطَحِ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ أَيْضًا: كَانَ يَرَى التَّحْصِيبَ سُنَّةً، وَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ يَوْمَ النَّفْرِ بِالْمُحَصَّبِ، قَالَ نَافِعٌ: قَدْ حَصَّبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ، انْتَهَى.
وَالْمُحَصَّبُ بِضَمِّ الْمِيمِ، وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى، وَهُوَ إلَى مِنًى أَقْرَبُ وَهُوَ بَطْحَاءُ مَكَّةَ، وَهُوَ الْأَبْطَحُ، قَالَهُ فِي الْإِمَامِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إنَّمَا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُحَصَّبِ لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ، وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ، فَمَنْ شَاءَ نَزَلَهُ، وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَنْزِلْهُ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشَيْءٍ إنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَمْ يَأْمُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَنْزِلَ الْأَبْطَحَ حِينَ خَرَجَ مِنْ مِنًى، وَلَكِنْ جِئْت فَضَرَبْت قُبَّتَهُ، فَجَاءَ فَنَزَلَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَكَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ»، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالسَّبْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «إنَّا نَازِلُونَ غَدًا بِالْخَيْفِ خَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمَ الْمُشْرِكُونَ فِيهِ عَلَى شِرْكِهِمْ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا؟ فِي حَجَّتِهِ، قَالَ: هَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلًا؟ ثُمَّ قَالَ: نَحْنُ نَازِلُونَ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ قَاسَمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الْكُفْرِ يَعْنِي الْمُحَصَّبَ»، وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي كِنَانَةَ حَالَفَتْ قُرَيْشًا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ أَنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ، وَلَا يُؤْوُوهُمْ، وَلَا يُبَايِعُوهُمْ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِمِنًى: نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ»، وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا، وَبَنِي كِنَانَةَ حَالَفَتْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ أَنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ، وَلَا يُبَايِعُوهُمْ حَتَّى يُسَلِّمُوا إلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُحَصَّبَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالسَّبْعُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ، فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ، وَرَخَّصَ لِلنِّسَاءِ الْحُيَّضِ».
قُلْت: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: قَالَ: «كَانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ، إلَّا الْحُيَّضَ، وَرَخَّصَ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَزَادَ فِيهِ: «فَإِنَّ آخِرَ النُّسُكِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ».
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: حَدِيثُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: أَتَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَسَأَلْته عَنْ الْمَرْأَةِ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ تَحِيضُ، قَالَ: لِيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ، فَقَالَ الْحَارِثُ: كَذَلِكَ أَفْتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَرِبْت عَنْ يَدَيْك سَأَلْتنِي عَنْ شَيْءٍ سَأَلْت عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَيْ مَا أُخَالِفَ، انْتَهَى.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْحَارِثِ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ عَنْ الْحَارِثِ، قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ، أَوْ اعْتَمَرَ فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ»، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: خَرَرْت مِنْ يَدَيْك، سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ تُخْبِرْنَا بِهِ، انْتَهَى.
وَقَالَ: غَرِيبٌ، وَقَدْ خُولِفَ الْحَجَّاجُ فِي بَعْضِ هَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى.
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي حَوَاشِيهِ: سَنَدُ أَبِي دَاوُد فِيهِ حَسَنٌ، وَسَنَدُ التِّرْمِذِيِّ فِيهِ ضَعِيفٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ: غَرِيبٌ، انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ: وَرَخَّصَ لِلنِّسَاءِ الْحُيَّضِ، هُوَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِيثِ.
الْحَدِيثُ الثَّمَانُونَ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اسْتَقَى دَلْوًا بِنَفْسِهِ، فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ أَفْرَغَ بَاقِيَ الدَّلْوِ فِي الْبِئْرِ».
قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ فِي بَابِ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَفَاضَ نَزَعَ لِنَفْسِهِ بِالدَّلْوِ يَعْنِي مِنْ زَمْزَمَ لَمْ يَنْزِعْ مَعَهُ أَحَدٌ، فَشَرِبَ، ثُمَّ أَفْرَغَ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّلْوِ فِي الْبِئْرِ، وَقَالَ: لَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمْ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَمْ يَنْزِعْ مِنْهَا أَحَدٌ غَيْرِي، قَالَ: فَنَزَعَ هُوَ بِنَفْسِهِ الدَّلْوَ الَّتِي شَرِبَ مِنْهَا، لَمْ يُعِنْهُ عَلَى نَزْعِهَا أَحَدٌ»، انْتَهَى.
وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «جَاءَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلَى زَمْزَمَ، فَنَزَعْنَا لَهُ دَلْوًا، فَشَرِبَ، ثُمَّ مَجَّ فِيهَا، ثُمَّ أَفْرَغْنَاهَا فِي زَمْزَمَ، ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنْ تُغْلَبُوا عَلَيْهَا لَنَزَعْت بِيَدَيَّ»، انْتَهَى.
وَرَوَى الْأَزْرَقِيُّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ حَدَّثَنِي جَدِّي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَاضَ فِي نِسَائِهِ لَيْلًا، فَطَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ، وَيُقَبِّلُ طَرَفَ الْمِحْجَنِ، ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ، فَقَالَ: انْزِعُوا، فَلَوْلَا أَنْ يُغْلَبُوا عَلَيْهَا لَنَزَعْت، أَمَرَ بِدَلْوٍ فَنُزِعَ لَهُ مِنْهَا، فَشَرِبَ مِنْهُ، وَمَضْمَضَ، ثُمَّ مَجَّ فِي الدَّلْوِ، وَأَمَرَ بِهِ فَأُهْرِيقَ فِي زَمْزَمَ»، وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: «فَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ، فَقَالَ: انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمْ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْت مَعَكُمْ، فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا، فَشَرِبَ مِنْهُ»، وَهَذَا آخِرُهُ.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَضَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ بِالْمُلْتَزَمِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ شُعَيْبٍ، قَالَ: «طُفْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَمَّا جِئْنَا دُبُرَ الْكَعْبَةِ.
قُلْت: أَلَا تَتَعَوَّذُ؟ قَالَ: نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ النَّارِ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ، وَقَامَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ، فَوَضَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَكَفَّيْهِ هَكَذَا، وَبَسَطَهُمَا بَسْطًا، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ»
، انْتَهَى.
وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، فَقَالَ فِيهِ: عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: طُفْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ، الْحَدِيثَ.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: فَيَكُونُ شُعَيْبٌ، وَأَبُوهُ مُحَمَّدٌ طَافَا جَمِيعًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا، وَلَفْظُهُمَا فِيهِ: «رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلْزِقُ وَجْهَهُ وَصَدْرَهُ بِالْمُلْتَزَمِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ: طَافَ جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَعَ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَلَمَّا كَانَ سَابِعَهَا، قَالَ مُحَمَّدٌ لِعَبْدِ اللَّهِ: أَلَا تَتَعَوَّذُ؟، إلَى آخِرِهِ، وَهَذَا أَصْلَحُ إسْنَادًا مِنْ الْأَوَّلِ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ الْحَاكِمِ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ مُلْتَزَمٌ».
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، وَوَقَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هَذَا الْمُلْتَزَمُ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ، انْتَهَى.
وَهُوَ فِي الْمُوَطَّإِ بَلَاغًا، قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ الْمُلْتَزَمُ، انْتَهَى.